حادث رشيد المأساوى، لن يكون الأخير، طالما أن لدينا أب مثل الذى ظهر فى برنامج «كل يوم» للإعلامى عمرو أديب، فالأب لم يتعلم من الحادث ونجاة ابنه بأعجوبة، بل أنه يجاهر أمام الجميع بأنه سيدفع ابنه مرة أخرى للجهرة إلى إيطاليا عن طريق البحر، وتكرار العملية مرة واثنين وثلاثة حتى ينجح ابنه، فالأب لا يهمه أن يموت ابنه غرقا أو أن ينجو، المهم أن يصل إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، ليغدق عليه بالدولارات. جملة واحدة، قالها الأب لخصت الأزمة بالنسبة لى، فالأب قال للبرنامج «هاتوا 50 ألف وخدوا ابنى»، بما يعنى أن هذا الأب لا يهمه سوى الفلوس فقط، أما حياة ابنه فلا أهمية لها لديه.
هذا الأب يلخص المأساة بكاملها، خاصة إذا علمنا أن غالبية من كانوا على متن المركب الغارقة من الأطفال الصغار، ممن يأمل أباؤهم أن يصلوا لإيطاليا، ويستفيدوا من القوانين الأوروبية التى تمنع ترحيلهم إلى بلدانهم مرة أخرى، بل أن الدولة مستقبلة المهاجرين غير الشرعيين دون الـ18 عاما، ملزمة بتوفير أماكن آمنة لهؤلاء وتعليمهم اللغة وأمور أخرى، وبعد أن يصلوا لسن الـ18 يتم تركهم ليختاروا المجال الذى يناسبهم، ومن هذا الوقت يبدأون فى إجراءات الحصول على الإقامة الشرعية.
نحن إذن أمام مافيا مكتملة الأركان، وللأسف الشديد، فإن الأسر هى جزء أصيل من هذه المافيا، خاصة الأسر التى تضحى بأطفالهم ليموتوا فى البحر، على أمل أن يوفروا لهم ما يحتاجونه من أموال.
قد تعتبرون ما أقوله نوعا من التجنى على الضحايا، لكن المنطق والعقل يقتصى أن نبحث جميعا عن الأسباب بعيدا عن العاطفىة وتأثيراتها علينا، حتى نجنب أنفسنا تكرار هذه المأسى، فشخصيا لست مقتنعا بكل ما قيل من أسباب قد تكون دافعة لهجرة هذا الكم من الأطفال إلى إيطاليا بهذه الطريقة، حتى وإن حاول الآباء الظهور فى وسائل الإعلام مرددين نفس السبب، وهو أن الظروف الاقتصادية هى من دفعتهم ليلقوا بأطفالهم إلى التهلكة، فالظروف الاقتصادية مع صعوبتها لا تختص بهؤلاء فقط، وإنما تشمل 90 مليون مصرى، ومع ذلك فقليل جدا من يفكرون فى الهجرة بهذه الطريقة.
نعم نحن نواجه أزمة اقتصادية، لكن الأخطر من هذه الأزمة هى رغبة الشباب فى الثراء السريع، وهو الحلم الذى لن يتحقق، وفقا لمنطقهم، إلا بالسفر إلى أوروبا، دون إدراك أن الثراء يمكن تحقيقه هنا فى مصر أيضا، إذا قرروا فقط العمل بنصف النشاط الذى سيعملون به فى أوروبا، أو فى نفس المهن التى يحلمون أن يبدأوا بها، كما عليهم أن يتعلموا من تجارب الأشقاء العرب ممن وضعتهم أوضاعهم السياسية والاقتصادية داخل بلدانهم فى أوضاع أشد صعوبة مما يمكن أن يعانى منه شباب مصر، ورغم ذلك جاءوا إلى مصر وبدأوا من تحت الصفر، والكثير منهم أصبحوا الآن فى مصاف صغار المستثمرين.. أمامنا تجارب كثيرة من المهم أن ينظر لها شبابنا بإمعان شديد للتعلم منها، لأن حلم الثراء له طرق متعددة ومختلفة، وليس فقط طريق الهجرة إلى أوروبا. من المهم أيضا أن تعمل الدولة على تشديد القوانين التى تعاقب مافيا الهجرة غير الشرعية، وكلى أمل أن يتبنى البرلمان المصرى منهجا شديدتا فى منهجية العقوبة الخاصة بهذه الجريمة، لا تقتصر فقط على معاقبة السماسرة، وإنما تنضم إليهم أيضا أسر الأطفال، لأن مسؤوليتهم لا تقل أيضا عن السماسرة، بل ربما تكون أكبر، لأنهم هم من يفتحون الطرق أمام سماسرة الهجرة غير الشرعية لكى يعملوا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة