أثار التسجيل الصوتى الأخير المنسوب لـ"حمزة" نجل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ودعا خلاله لارتكاب عمليات إرهابية وإراقة مزيدٍ من الدماء، قائلا، "إن القدس عروس.. ودماؤنا مهرها"، حالة من الجدل، الأمر الذى فسره البعض بأنه عودة لظهور العائلة الجهادية من جديدٍ، وخطوة جديدة من تنظيم القاعدة لاستعادة هيكله السابق، وما بين احتمال عودته من عدمها يظل ظهوره حادثاً مهماً على الأصعدة كافة يشغل اهتمام وسائل الإعلام العالمية وجميع أجهزة الاستخبارات الدولية.
بيان القدس لم يكن الأول لحمزة، حيث أصدر مؤخراً ثلاثة بيانات دعا خلالها إلى شن هجمات على أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، متوعداً بالانتقام لموت والده ومواصلة تنفيذ مشروعه، فى إشارة إلى أن القاعدة لم تختف وقادرة على العودة من جديد، وتعويض إخفاقات وتشرذم عناصر تنظيم داعش ومحاصرته فى العراق وسوريا وغيرها من الدول.
ولد حمزة بن لادن عام 1991، وأمه "خيرية صابر"، ثالث زوجات أسامة، حاصلة على دكتوراه فى علم نفس الأطفال، وأكاديمية سابقة بجامعة الملك عبد العزيز فى جدة، ولم تنجب من زعيم التنظيم سوى حمزة، الذى انتقل بعد ذلك مع والدته وبعض أفراد لأسرة إلى إيران عقب هجمات 11 سبتمبر، وهناك تشكلت أفكار الابن ومنهجه عن طريق فريق خاص من حركة طالبان كان مكلفاً بمتابعته، فضلاً عن الرعاية الإيرانية التى حظى بها خلال تلك الفترة.
إعادة تأهيل شاب فى العشرينيات من عمره للقيادة يعتبر تطوراً جديداً فى استراتيجية تنظيم القاعدة، ويمثل حمزة الجيل الجديد من القيادة الجهادية، حيث أمضى أغلب سنوات عمره يحظى برعاية والده مؤمنا بأفكاره، وكشفت بعض الوثائق التى عُثر عليها فى مخبأ بن لادن، بحسب "فورين بوليسى"، أن الأب كان يحرص على سلامة ابنه ويسعى لإعداد للقيادة مستقبلا، كما شارك الوريث التدريب على صنع الأسلحة والمتفجرات.
بعض التقارير الصحفية وصفت حمزة بن لادن بأنه شخصية متميزة وقادرة على استقطاب الشباب من دول العالم، وتدريبهم على تنفيذ العمليات الإرهابية، خاصة بعد تراجع نشاط التنظيم خلال الفترة الماضية، وهو ما توعد بتنفيذه فى أول تسجيل له عندما قدمه قائد التنظيم الحالى أيمن الظواهرى، وأكدت التقارير أن وريث بن لادن سوف يسحب البساط من تحت أقدام الظواهرى لمواصلة جهاد أبيه.
ظهور حمزة يجسد إعادة هيكلة إدارية لتنظيم القاعدة لاستيعاب كافة الفصائل والتيارات، وإنهاء الانقسام والاقتتال التى مر بها خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى تعويض إخفاقات تنظيم الدولة، خاصة فى العراق وسوريا، حيث تراجع نشاطه بشكل ملحوظ وأصبح يحتضر الآن فى بلاد الرافدين، بعد محاصرة القوات العراقية لآخر معاقله فى الموصل، والأمر نفسه يعانيه التنظيم بالأراضى السورية، بالرغم من التمويل الدولى الذى يحظى به للصمود فى مواجهة قوات بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، إلا أن نشاطه تراجع بشكل ملحوظ وأصبح محاصراً فى حلب وبعض القرى المجاورة، والتى باتت مهيأة لنفس السيناريو السابق بالعراق، ما دعا تنظيم القاعدة لاستغلال حمزة وشعبية أبيه الواسعة للعودة للظهور على الساحة، وتأهيله وتدريبه وتفقيهه بالواقع ومستجداته.
"الروح الشبابية" التى تعتمد عليها استراتيجية القاعدة الجديدة، متمثلة فى "وريث بن لادن"، ربما تساعده على استقطاب الشباب، خاصة من هؤلاء المهاجرين والنازحين من ويلات الحروب إلى الدول الأوروبية، بما يحملونه من حقد وكراهية تجاه بلدانهم وما تعرضوا له من ظلم واضطهاد بها، الأمر الذى يجعلهم أرضاً خصبة للجماعات المتطرفة لتنفيذ أهدافها ومخططاتها الإرهابية فى جميع أنحاء العالم، ولكن هذه الروح ربما تصطدم بـ"خبرة الكبار"، ممثلة فى قائد التنظيم الحالى أيمن الظواهرى، وغيرهم من كبار القادة، وربما نجد صراعات داخلية بين القادة نظرا لاختلاف الفكر والأيدولوجية فضلا عن تعقديات المرحلة وتشابكها على الساحة، سواء فى سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن وغيرها، وهو ما سيظهر خلال الأيام المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة