مرت علاقتى الشعورية بالرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما بعدة مراحل وصلت إلى حد التناقض، كانت المرة الأولى عندما رأيت صورته تحتل غلاف إحدى المجلات فى سنة 2007 بينما أسفل الصورة الممتلئة بالحيوية كان مكتوبا «هل يصبح ابن راعى الماعز رئيس أمريكا؟»، حينها شعرت بأن العالم مقبل على شىء مختلف.
وعندما قرأت كتابه «أحلام من أبى» الذى تحدث فيه عن نشأته ورحلته للتعرف على أسرة أبيه فى كينيا، لاحظت أنه فى أول الكتاب يحكى أنه ذات صباح تشارك مع أحد متسولى الشوارع الأمريكيين فى استخدام مرفق المياه العمومى فى الشارع ليغسل وجهه، وفى نهاية الكتاب يقول إن إحدى عماته فى كينيا طلبت منه نقودا، لكنه لم يكن معه أكثر من 30 دولارا، ويومها تمنى أن يكون رجلا غنيا ليحقق لها حلمها.
كان أوباما بسنين عمره التى لا تتجاوز الـ48 عاما فى تلك الفترة يمثل حلما ليس للأمريكيين السود فقط، لكن لكل الحالمين بالنصرة فى هذه الدنيا، فأخيرا ستتحقق أحلام مارتن لوثر كينج وسيجلس على كرسى البيت الأبيض رجل أسود يعرف جيدا تاريخ معاناة الأقليات فى العالم أجمع، ويوم انتخابه فى 2008 ظللنا ساهرين حتى الصباح نحتفى بانتصار المستضعفين فى الأرض.
لكن عندما حصل أوباما على جائزة نوبل للسلام 2009، تساءلنا على أى شىء حصل الرئيس الأمريكى على هذه الجائزة العريقة، هو لم ينه حربا ولم ينقذ شعبا ولم يحرر وطنا، ويومها عرفت أن أوباما خرج من دائرة المنقذين للبشرية ولم يعد.
ثم توالت الأحداث التى أثبتت أن أمريكا بلد مؤسسات وليست بلد رجل طامح، وبدأ رصيد أوباما فى النفاد لدى الجميع، وأصبح رجلا عجوزا بابتسامة مصنوعة على شاشات التليفزيون، لكن فلاش الكاميرات لم تعد قادرة على إخفاء روحه المنطفئة التى لم يعد يسكنها الحلم الذى كان قديما، حتى السود فقدوا حياتهم فى الشوارع على يد الشرطة الأمريكية دون مراعاة لوجود رئس يشبههم يحكم البلد.
أصابتنى حالة أوباما بالحزن، لست سعيدا لنهايته، كنت أتمنى أن يكتمل الحلم، وأن ينجح باراك أوباما، الذى صفق له المصريون عندما خطب من جامعة القاهرة عن العلاقات الطيبة التى يمكن أن تجعل العالم سعيدا، كنت أتمنى أن ينجح فى تحدى مؤسسات أمريكا، وأن يثبت شخصية الرجل، لكنه سقط فى هوى دور الرئيس، ونسى كل ما علقته الشعوب فى عنقه من تمائم تريد أن تحل بها قضاياها المزمنة.
نسى أوباما نوفمبر 2008 عندما ظل الكثيرون فى كل أنحاء العالم ساهرين وكأن مشكلات العالم جميعها انتهت عندما نجح الفتى الأسمر فى فرض كلمته، لكنه اليوم يخرج غير مأسوف عليه، بعد أن سرق من أعمارنا ثمانى سنوات وحطم صورة المنقذ التى حلمنا بها، فقط أرجو منه فى نوفمبر 2016 أن يرسل لعمته فى كينيا أكثر من 30 دولارًا فقد أصبح الآن رجلاً غنيًا.