يخطئ من يظن أننا نستقى ثقافتنا من الكتب والأفلام والمسرحيات والموسيقى، وغير ذلك من أدوات الثقافة المعروفة، فالثقافة هى المحصلة المعرفية التى تتشكل داخل كل واحد فينا، هى محصلة ما تجمعه العين وتلتقطه الأذن، وتتشربه الحواس، ولأن القبح سيطر على حياتنا بدرجة «متوحشة» ولأن «القباحة» صارت لغة رسمية يتحدث بها الكثيرون، فيجب علينا، الآن وهنا، أن نحارب هذا القبح ونطارد هذه «القباحة» بشكل غير تقليدى، يجب علينا أن نزرع الأرض قيما طيبة، وأن نحاصر أطفالنا بالحق والخير والحرية والحب والوطنية والانتماء، يجب علينا أن ننزع التشوه من فوق أعيننا، ونزرع مكانه جمالا، ولهذا أقترح هذا الاقتراح البسيط فى طريقته، والعميق فى أثره، وغاية ما أتمنى أن يرى هذا الاقتراح النور.
اقتراحى يتلخص فى مبادرة «بسيطة»، لكنها تجسد أحد معانى «النزول إلى الناس» بشكل واقعى، وفى الحقيقة فإننى لا أجد ما هو أسمى من «الشعر» لنعول عليه فى تهذيب وجدان الناس وزراعة المعانى النبيلة فى قلوبهم، ولأن الشعر أصبح مهجورا الآن مثله مثل غالبية القيم الرفيعة ففكرت فى طريقة عملية نضرب بها كل خفافيش التشوه ببيت من شعر نبيل، فنحن نمر يوميا على عشرات الأسوار التى يستغلها البعض بشكل مدمر، فماذا لو استفدنا من هذه الأسوار على الوجه الأمثل، وحولناها إلى ديوان شعر مفتوح بأن نكتب على كل سور بيت شعر أو جزء من قصيدة بخط حسن وتصميم راق لنطهر به العين ونعمر به الوجدان؟
وليكن اسم هذه المبادرة «الشعر فى الشارع» على أن تختار لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ألف بيت شعر عربى أو أجنبى تسهم فى تهذيب وجدان الناس، وتربت على أرواحهم القلقة، ليتم كتابتها على الحوائط والأسوار فى الشوارع والميادين، وتخيل معى الأثر الروحى الذى يتركه بيت أمل دنقل «أحس حيال عينيك.. بشىء داخلى يبكى» أو بيت الأبنودى «وتعبت أقرا اليفط بحثا عن العنوان وتعبت أقرا الوشوش بحثا عن الإنسان» أو بيت صلاح جاهين «على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء.. أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء» أو بيت محمود درويش «على هذه الأرض ما يستحق الحياة» مقارنة بالأثر الذى تتركه إعلانات الدروس الخصوصية لـ«إمبراطور الفيزياء، ووحش الكمياء، وضفدع الأحياء».
نكمل غدا.