منذ أن قال السيسى عن ترامب بعد أن جلس معه «قائد قوى» (strong leader) تأكدت من أن مصر اختارت خيارها الاستراتيجى، وبعدها صوتت مصر مع قرار مجلس الأمن الشهير، الذى أغضب الشقيقة السعودية، وأكدت موقفها بأن الحل السلمى للمشكلة السورية هو الحل الوحيد، وحينما راقبت انتخابات الرئاسة اللبنانية ووجدت السفير المصرى فى لبنان يزور عون قبلها بثلاثة أيام زاد يقينى أن ترامب سينجح، وأن هناك زلزالا فى العلاقات الدولية.. ولكن بعيدا عن تحليلات «المظليين الفضائيين» ترى ما هى الفرص والتحديات أمامنا لعالم ما بعد الزلزال؟ لمعرفة ذلك لابد أن نقرأ المشهد الدولى والإقليمى جيدا.
باستثناء بريطانيا وروسيا والأحزاب اليمينية الأوروبية، بقية دول الاتحاد الأوربى قلقة، قال الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند، إنه هنأ ترامب على فوزه، ولكنه أضاف أن ذلك الفوز يؤذن «ببدء مرحلة من عدم اليقين وأنه ينبغى لفرنسا أن تكون أقوى ولأوروبا أن تتوحد حول القضايا الدولية»، فى المقابل، «مارين لوبان» رئيسة الحزب اليمينى الفرنسى قالت عن فوز ترامب: «حدث ثورى فى السياسة الدولية»، نائب ميركل «سيجمار جبرائيل» قال: «ترامب خطر على الديمقراطية.. مؤشر للحكم الشمولى» ومن شرق آسيا الكوريتان قلقتان حول موقف ترامب، الصين متحسسة خطرا فيما يتعلق بالسوق الأمريكى. فى حين هنأت رئيسة الحكومة البريطانية «تيريزا ماى» ترامب، وقالت: «إن بريطانيا والولايات ستبقيان شريكتين قريبتين فى الميادين التجارية والأمنية والدفاعية، مؤكدة على العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين».
أما عن منطقتنا فنبدأ بنتنياهو، يصف ترامب: «صديق حميم لإسرائيل» ويضيف وزير التعليم «نفتالى بينيت» زعيم حزب البيت اليهودى اليمينى المتشدد «إن انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة يعنى عمليا نهاية فكرة الدولة الفلسطينية»، بينما دعت وزيرة العدل «ايليت شاكيد» ترامب إلى تنفيذ وعده ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعتبرت أن فوز ترامب يمثل تسونامى فى العلاقات الدولية، من جانبه، قال رئيس الحكومة التركية بن على يلدريم، إن صفحة جديدة ستفتح فى العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة إذا قامت الأخيرة بتسليم رجل الدين فتح الله جولن إلى تركيا!!
والسعودية فى مأزق، والحلف «السعودى التركى القطرى» انتهى عمره الافتراضى، وأصبحت المنطقة رهنا بالولايات المتحدة وروسيا ومصر، الأمر الذى دعا بوتين لأن يعبر لترامب عن «أمله فى أن يتعاون البلدان لترميم العلاقات الروسية الأمريكية المأزومة» وأكد رئيس الدوما «فيسلاف نيكونوف»: «أن ترامب سوف يفكك حلف الأطلنطى وسيتقارب مع روسيا فى مواجهة الإرهاب»، أمام كل ذلك تقول موجارينى مسؤولة العلاقات الخارجية فى الاتحاد الأوروبى: «السياسة فى الاتحاد الأوروبى لا تضعها أمريكا وروسيا والمعاهدة مع إيران معاهدة دولية، ولا يمكن أن تنسحب منها الولايات المتحدة منفردة».
نحن إذن أمام نظام دولى جديد متعدد القطبية: روسيا وحلفائها (ربما يتم إحياء حلف وارسو)، والولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، وماتبقى من الاتحاد الأوربى سيرمم حلف الأطلنطى، على الجانب دول جنوب شرق آسيا سوف تتجمع حول نفسها، الصين سوف تعتمد على «اللوبى» الصينى فى الولايات المتحدة، خاصة أن لهم علاقات اقتصادية مع رجال الأعمال المتضررين من الضرائب، روسيا أيضا سوف تعتمد أيضا على كنائسها البيضاء السابقة والتى أسست مجلس الكنائس العالمى الذى تأسس 1945، وغالبية البيض الذين قادوا حملة ترامب والمتأثرين بالخطاب العنصرى، وأغلب رؤساء الكنائس الأمريكية الذين دائما ما يشجعون اليمين الدينى.
فرص مصر كثيرة وفى مقدمتها المناورة على كل تلك الأقطاب، والاستفادة من اتفاقات السلام مع إسرائيل، وملء الفراغ «السنى السعودى- التركى» فى المنطقة خاصة فى لبنان وسوريا، والتقدم بحذر نحو إيران عبر «عون» فى لبنان والعبادى فى العراق، وعدم الموافقة على الدخول فى أحلاف إقليمية أو دولية، والاستمرار فى رفض القواعد العسكرية، والاستفادة من الكنائس القبطية الإنجيلية مع الولايات المتحدة والأرثوزكسية مع روسيا والكاثوليكية مع الفاتيكان، وإعادة تشكيل رؤية لأمراء الإعلام، وبارونات حقوق الإنسان، وللحديث بقية.