كثيرا ما نردد بعض الأقاويل الظالمة التى لا يتأمل قائلوها مداها ولا تأثيرها، فنقول، إن الناس يعزفون عن قراءة الشعر، أو إن الناس لم يصبحوا مستعدين لتلقى الثقافة، أو إن الناس أصبحوا غير مهتمين بما ينشر أو يذاع من مواد ثقافية أو معرفية، وللأسف فإن كثرة ترديد هذه المقولات جعلها أشبه بالحقيقة الراسخة، فى حين أن الواقع يقول غير ذلك، والدليل على هذا هو أن ملايين الشباب فى المراحل التعليمية المختلفة كلما أرادوا أن يتميزوا بين أقرانهم كتبوا خواطر شعرية، وكلما أحسوا بعاطفة بحثوا عن صياغة هذه العاطفة فى كلمات أو جملة بلاغية مؤثرة، لكننا للأسف نتركهم على حالهم دون إرشاد أو توجيه أو مساعدة.
وللأسف فإننى هنا مضطر ألا أدفن رأسى فى التراب، مدعيا أن الأدب بخير، وأن الشعر فى أزهى عصوره، وللأسف أيضا أجدنى مضطرا إلى ترديد مقولة، إن الناس يعزفون عن قراءة الشعر، لكن كل ما أريده ألا نستسلم لهذه الحالة المدمرة، ولهذا أطلقت أمس مبادرة «الشعر فى الشارع» التى أردت من خلالها أن نزرع الشعر فى الوجدان الوطنى، وأن نجعل من قيم الحق والخير والحب والتأمل والنقد وجبة أساسية يتناولها الفرد دون عناء أو كد، أردت أن أفرد جسور المعرفة لكى يعرف المصريون تاريخهم وآدابهم ورموزهم، أردت أن ننقى أعيننا من القبح الذى نتناوله يوميا فى الشوارع وعلى الجدران وفى كل مكان.
تخيل معى شكل شوارعنا وهى مزينة بألف بيت شعر مختارة بعناية، بدلا من تركها للخرابات ومشوهى الصفاء، تخيل ابنك وهو يقرأ بيت شعر «ليه تهدمونى وأنا اللى لعزكم بانى.. أنا اللى فوق جسمكم قطنى وكتانى» ويعرف أن من كتبه هو بيرم التونسى، فيبحث عن أشعاره الأخرى ليقرأها ويستمتع بها، أو أن يقرأ «أُعطيكَ ما أعطتنىَ الدنيا من التجريب والمهارة.. لقاءَ يومٍ واحدٍ من البكارة» فيعرف أن صاحب هذا البيت هو صلاح عبد الصبور، فيقرأ شعره ومسرحه ومقالاته وتأملاته، تخيل معى كم الركام الذى سنزيله من فوق تاريخنا، تخيل معى كم قصيدة ستتحول إلى خبز يومى، تخيل معى هذا الجمال المقترح، وأرجوك ساعدنى فى أن يصبح واقعًا.