وجر الشيخ حسنى «الرجل الكفيف» فى فيلم «الكيت كات» الذى هو محمود عبدالعزيز «الرجل الجميل» فى الحياة، عربة فول «عم مجاهد» وعليها جثة صاحبها، جرها بعد أن اكتشف موت الرجل الذى لم يرد عليه بكلمة واحدة أثناء دفاعه عن نفسه أمامه، اشتكى الشيخ حسنى من هموم الحياة التى تدفعه إلى ما هو عليه بتعاطى كيف الحشيش، ورهن بيته الذى حمل عم مجاهد حجارته مع أبيه.
يحسب لداود عبدالسيد صانع هذا الفيلم إخراجا وسيناريو تكوين هذا المشهد بكل روعته، ويحسب بالطبع لرواية «مالك الحزين» للرائع العم إبراهيم أصلان، لكن يبقى محمود عبدالعزيز هو السر الأكبر لكل هذه الروعة، ففى طريقة تعبيره عن قسوة الحياة عليه ووحدته رغم سهرات الأنس، سيجد معظمنا نفسه فيه بطريقة أو بأخرى، ليس شرطا فى ذلك أن يكون الإنسان ثريا أو فقيرا، أو نهما فى الامتلاك أو لديه فضيلة الاستغناء، ففى الانكسار يتساوى الألم.
لماذا كلما شاهدت هذا الفيلم، الذى لا أمل من مشاهدته، وحين يأتى هذا المشهد، أشعر أن محمود عبدالعزيز الذى هو فى الحياة فيه من الشيخ حسنى الذى هو فى الفيلم. لا شىء عندى يثبت ما إذا كان ذلك حقيقة أم لا، غير أن الأكيد هو أننا أمام فنان فذ يدفعنا إلى أن نصل إلى هذه الحالة، فنان لم يكن يمثل وإنما يؤدى دورا فى الحياة بكل هذا الصدق فأحببناه فى الأصل والتمثيل.
فى معظم أعمال «محمود عبدالعزيز» من السهل أن نعثر على عشرات المشاهد المشابهة لمشهد «عم مجاهد» تضيق هذه المساحة بذكرها، وسأختار مشهدا فى مسلسله «رأفت الهجان» أثناء لقائه بالضابط «محسن ممتاز» الذى أداه «يوسف شعبان» وهو يودعه قبل سفره إلى إسرائيل لزرعه فيها، قال له «محسن ممتاز»: «مصر أمانة فى رقبتك يا رأفت»، فرد: «وأنا رقبتى سدادة يا محسن بيه»، لا يزيد هذا المشهد عن دقيقة واحدة، وكل ما قاله «رأفت» خمس كلمات، لكن حشرجة الصوت وعفوية الجسد فى حركته، تدفع إلى قشعريرة فى جسد المشاهد ربما تنتهى إلى دمعة كالتى تحجرت فى عين «رأفت»، وأظنها كانت حقيقة فى عين محمود عبدالعزيز لا تمثيلا، لأنه كان كتلة صدق وجمال فى الحياة فانعكس ذلك على فنه، ولأجل هذا جاء الحزن عليه عميقا، فليرحمه الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة