الإفراج عن المجرمين إرضاء لحفنة من مرضى التثور اللاإرادى سيثير غضب ملايين المصريين
«معلهش وعلشان خاطرى والمسامح كريم»، يمكن قبولها واعتبارها عنصرًا مهمًا فى معادلة العلاقة المجتمعية اليومية، وإعلاء قيمة التسامح والرحمة بين الناس، وعلى النقيض تمامًا، فإن هذه المصطلحات تمثل خطرًا داهمًا على دولة القانون، وفقدان الثقة فى منظومة العدالة.
وإذا رجعنا بالذاكرة للوراء، واستخرجنا من مخزونها تاريخ الجلسات العرفية التى حلت بديلًا عن القانون فى كثير من الصراعات والأزمات، فإننا نكتشف مدى الجرم الذى تسببت فيه مثل هذه اللجان وجلسات المصاطب، وكانت بمثابة المراهم والمسكنات، التى تُسكن الألم لفترة قصيرة، دون العلاج، وسرعان ما تعود الأزمة أكثر خطورة واستفحالًا.
اللجان والمصالحات العرفية سطرت مجدًا مدهشًا فى الفشل فى قضايا الفتنة الطائفية بين عنصرى الأمة، المسلمين والأقباط، كما تسببت فى استفحال قضايا الثأر، خاصة فى الصعيد، ودشنت لبداية القضاء الشرعى الذى توظفه الجماعات التكفيرية والإرهابية لمصلحتها، وكانت المعارضة دائمًا تهاجم دور هذه اللجان والمصالحات العرفية، واعتبروها وبالًا، وضربة قوية لدولة القانون، ومكافأة المجرمين بعدم المثول أمام القضاء ليلقوا العقاب المناسب لحجم الجرم.
وحشدت المعارضة كل أسلحتها الفتاكة طوال حكم مبارك الذى تجاوز 30 عامًا، لتوظيف اللجان والمصالحات العرفية للهجوم على الدولة، واتهام مبارك ونظامه بحماية المجرمين تحت مظلة الأهواء ومصطلحات «معلهش وعلشان خاطرى والمسامح كريم»، وكنا نرى الصحف الغربية والأمريكية تشن هجومًا لاذعًا على مثل هذه اللجان، واعتبارها إهدارًا لحقوق الأقباط، ومكافأة للجناة. وبعد ثورة 25 يناير 2011، اختلف الأمر، ووجدنا المعارضة تتبنى اللجان والمصالحات العرفية وتدعمها، وتتوسع فيها لتضيف ما يسمى الدبلوماسية الشعبية لتقوم بدور المصالحات بين الدول التى تتأزم علاقتها بالقاهرة، مثل إثيوبيا، والسفر لعقد «جلسات المصاطب»، وهو ما تسبب فى تفاقم الأزمات، لأن «بهوات اللجان» كانوا يهاجمون الدور الرسمى للدولة.
الغريب أن الدولة عاشقة لوضع المتفجرات والألغام فى طريقها، فرغم حالة التفاؤل والبهجة التى عاشتها البلاد، بداية من نجاح مؤتمر الشباب الذى عقد فى شرم الشيخ، ومرورًا بفشل 11/11، ثم المشهد المبهج فى مباراة مصر وغانا، والفوز الثمين الذى اقتنصه المنتخب الوطنى، وظهور الجماهير بمظهر مشرف ورائع، فوجئنا بالحديث عن الإفراج عن عدد من المجرمين الذين ارتكبوا جرائم جنائية من حرق وتهديد بالقتل، يعلو ويرتفع ويسيطر على حديث العامة قبل النخبة. ووسط الألم الذى يعتصر معظم الشعب المصرى، من الذين حرقوا ودمروا وحرضوا على قتل جنود وضباط الجيش والشرطة، وسقوط خيرة شباب مصر شهداء يوميًا، فوجئنا بـ«اللجنة العرفية وجلسة المصاطب» تطالب بالإفراج عن المجرمين، دون مبالاة لمشاعر أسر مئات الشهداء، والجرائم الخطيرة التى ارتكبها هؤلاء المجرمون.
قرار الإفراج عن المجرمين، هو ضربة قوية للقانون، وأعلم أن هناك حالة من السخط والغضب المكتوم تجتاح عددًا كبيرًا من رجال القضاء، من تشكيل اللجنة وتغولها فى صلاحيات القضاء، ومكافأة المجرمين بالإفراج عنهم.
ولا أذيع سرًا، إن الإفراج عن المجرمين، إرضاء لحفنة من مرضى التثور اللاإرادى، سيشعل نار الغضب والسخط لملايين المصريين، وهى مقايضة غريبة وخطيرة للغاية، أن تضرب القانون بلكمة قاتلة، فتكافئ المجرمين، وتثير غضب الملايين، فى مقابل إرضاء حفنة من المجرمين القتلة والخونة.
كما أرى «لبانة» الإفراج عن المجرمين فخًا خطيرًا نصبه أعداء هذا الوطن لتوجيه ضربة جديدة للقانون ومؤسسات الدولة، مع الوضع فى الاعتبار أننا ضد حبس أى برىء، ومع الإفراج الفورى عن المظلومين، لكن ضد العفو عن المجرمين ومكافأتهم والخضوع لابتزاز هؤلاء الذين لن يرضوا عن النظام الحالى، حتى ولو أصبحت مصر غدًا من الدول المتقدمة التى تسبق أمريكا والصين واليابان.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.. ولك الله يا مصر!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة