قديما قالوا لنا بأن الإمام الشافعى الذى كان يقيم فى العراق، قرر المجىء إلى مصر، وهنا لم يتردد الفقيه الحق فى أن يغير عددا من فتاويه بسبب الانتقال المكانى، وذلك لأن البيئة اختلفت فأصبح سياق المسألة الفقهية مختلفا، ولكم أن تتخيلوا أنه بعد الإمام الشافعى بكل هذه القرون الزمنية وبعد التغيرات المهولة التى أصابت كل شىء حولنا لا تزال تحكمنا القضايا الفقهية التى مر عليها أكثر من ألف عام.
بالطبع فإننا أصبحنا فى زمن متسارع يفرز قضاياه ومشكلاته الخاصة به، والذكى هو الذى يستطيع أن يضع التغيرات المجتمعية فى حساباته المعاصرة، وأن يطور آلياته لمواجهة العالم ذى الألف وجه، ومن ذلك قرار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بإعادة فتح باب الاجتهاد، وتفعيل تلك الفريضة بعد توقف دام قرونا إلا بمحاولات فردية من بعض العلماء، حيث قرر الأزهر إنشاء لجنة «الفقه» وكونها من 30 عالما من هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وأساتذة جامعة الأزهر، إضافة إلى المفتيين الحالى والسابقين، وذلك من أجل «الاجتهاد»، فى العديد من المسائل التى تهم المجتمع، وفقا لظروف العصر.
هذه خطوة أكثر من جيدة سيعرف الجميع وأولهم رجل الشارع العادى نتائجها عند بدء العمل بها، وستنعكس على كثير من حياتنا، وذلك لأن إدخال السياق فى العملية الفقهية سيغير من أشياء كثيرة، ولن يجد الناس مسافات ضوئية بين الواقع والمفروض، وسينزل الفقه من كتبه ليتعامل مع الناس على الأرض، مستخدما لغتهم وأشياءهم.
ولكن حتى يحدث ذلك يجب التنبه لأمور عدة، أولها أن الفريق العلمى الذى سيقوم بهذا الدور يجب أن يكون مدركا لدوره تماما، وعارفا بأن ليس المطلوب منه إصدار الفتاوى فقط، بل المطلوب منه هو الاجتهاد فى الواقع والحالى والمعاصر بطريقة تناسبه، والأمر الثانى أن يبعد هذا الفريق عن القضايا «الافتراضية» قدر الإمكان، وأن يكون التركيز عن أمور تحدث بالفعل فى الشارع المصرى طوال اليوم، أما الشىء الثالث والمهم فهو أن يكون المقصود الأول بفتواهم المصريين وليس المواطن العالمى، أما رابع الأشياء وأخطرها فهو البدء فى العمل وعدم الدخول فى لجان تتشعب عنها لجان أخرى.
لو اكتمل هذا الأمر وقامت اللجنة بدورها كما ينبغى، حينها سوف يجدد الأزهر فى المدارس الفقهية، وحتما سوف تتغير أشياء كثيرة ليس فى مصر فقط، لكن فى العالم كله، لأن الإفتاء لن يكون مباحا لكل من «هب ودب» ولأصحاب المصالح الشخصة، ولدعاة التطرف والباحثين عن خراب العالم وتدميره بحثا عن أغراض شخصية.