لماذا ظل أبو حنيفة النعمان بن ثابت يحظى عند كثير من الأئمة والفقهاء والمفكرين بعطف خاص وإعجاب راسخ، وذلك سواء كانوا على مذهبه أم على مذهب الإمام مالك أو الإمام الشافعى؟.
بهذا التساؤل يبدأ الكاتب المغربى الكبير بنسالم حميش حكايته عن مجموعة مثقفى المسلمين ناقش من خلالهم مفهومه عن "الإسلام السياسى"، ومن الشخصيات التى اعتمد عليها (أبو حنيفة، التوحيدى، ابن بطوطة، ابن رشد، ابن خلدون) وهم حسب قوله تجمعهم أواصر اللغة العربية كلغة فكر وثقافة وتعبير وتفرقهم مرافق اهتماماتهم (الفقه، الأدب الفلسفى، الرحلة، الفلسفة المفسرة المؤولة، التاريخ المنظر).
جانب مهم أظهره "حميش" عندما استطاع التفرقة بين الإسلام السياسى الذى يجرى فيه اختزال الإسلام كله (ثقافة وحضارة) من جانب أجهزة الإعلام والمراكز الدولية النشطة متجاهلين أهمية وقيمة الإسلام الثقافى صاحب الإسهامات الضخمة فى الحضارات المعاصرة إذ يغلب عليه التوجه النقدى وإعمال الفكر وتوخى الإبداع فلدينا سلسلة طويلة من الفلاسفة والمفكرين والعلماء المسلمين، فيرى فى الإمام أبى حنيفة أنسنة الفقه الإسلامى، ويتوقف عند تجربة الوجود والكتابة عند التوحيدى، كذلك يهتم بابن رشد والمعرفة وبابن بطوطة ورحلة المتعة والتقوى، وتشغله سيرة ابن خلدون.
وفى الكتاب الصادر عن المصرية البنانية استعرض "بنسالم" مواقف بعض الفلاسفة الغربيين بدءًا من "نيتشه" الذى كان معروفًا بإلحاده وانتقاده الشديد للمسيحية، إلا أن مواقفه الإيجابية من الإسلام كانت مختلفة، حيث كتب الفيلسوف الألمانى بوضوح قائلًا (لقد حرمتنا المسيحية من حصاد الثقافة القديمة، وبعد ذلك حرمتنا من حصاد الثقافة الإسلامية، إن حضارة إسبانيا العربية هى القريبة منا حقًا المتحدثة إلى حواسنا أكثر من "روما" و"اليونان"، لقد كانت تلك الحضارة عرضة لدوس الأقدام!"، ثم ينتقل المؤلف إلى فيلسوف ومفكر آخر هو "هيجل" الذى كتب حول مكانة الإسلام وأطلق عليه اسم الديانة المحمدية وهو يتعرض لظهور الإسلام فى الجزيرة العربية بصحاريها الواسعة وحياتها البسيطة ويمس حادث الهجرة من مكة كبداية للفتوحات التى مضى بها العرب شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا.
يرى الكتاب أن ابن خلدون فيلسوف عبثى حيث يقول للشعور بالعبث إذن حضور تجريبى فى إدراك التوحيدى للوجود وتصوره للأشياء والعلاقات، لهذا نراه فى رسالته إلى القاضى أبى سهل المذكورة يعلل منطق الهشاشة والزوال دينيا وفلسفيا، إذ يقول مخاطبا لائمه وعاذله "عجبت من انزواء وجه العذر عنك فى ذلك كأنك لم تأبه لقوله تعالى "كل من عليها فان".
وعن ابن بطوطة وغرائبيته يرى بنسالم حميش أن الرحالة كان موضع تساؤل حيث إنه لم يكن يحسن السباحة ولا فن الجندية، كما أنه ليس هناك دليل قوى على أنه كان يجيد لغة غير لغته الأصلية.
وعند حديثه عن ابن خلدون ينطلق من حوار المؤرخ الشهير مع الطاغية تيمور لنك ومنه "أنا غريب بهذه البلاد غربتين، واحدة من المغرب الذي هو وطنى ومنشأى وأخرى من مصر وأهل جيلى بها، وقد حصلت فى ظلك، وأنا أرجو رأيك لى فيما يؤنسنى فى غربتى، فقال: "قل الذى تريد أفعله لك".
عدد الردود 0
بواسطة:
علي حسين عبدالله كرسي
قرات الكتاب
الكتاب الثقافة