مرت أربع سنوات، على اللحظة التى أمسك فيها طفل القرعة الهيكلية اسم البابا تواضروس من بين المرشحين، ورفعه عاليًا أمام كاميرات الفضائيات المحتشدة لاختيار البابا رقم 118 للكنيسة الأرثوذكسية الكبيرة، أربع سنوات قضاها البطريرك الحالى فى ظروف سياسية ومحلية صعبة جعلته يعيد ترتيب البيت الكنسى من الداخل وأنجز العديد من الإصلاحات الإدارية داخل مؤسسة الكنيسة.
القرعة الهيكلية
جاء البابا تواضروس خلف البابا شنودة الثالث، الذى ترك أثرًا يصعب محوه بشخصيته الكاريزمية وحضوره فى قلوب الملايين من المسلمين والأقباط، إلا أن البابا الحالى اتبع حدسه وسار فى طريقه دون أن يلتفت للمقارنات التى تلاحقه دائمًا، واستخدم مهاراته الإدارية التى حصل فيها على درجة الماجستير من إنجلترا، وبدأ فى هيكلة الكنيسة على كافة المستويات فأسس مشروعًا اجتماعيًا يعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية والمعونات المادية لشعب الكنيسة عبر نظام إلكترونى محكم، وأسس مركزًا إعلاميًا للكنيسة يحتاج الكثير من الوقت كى ينمو ويستوعب قطاعات الكنيسة الواسعة وإدارتها اللامركزية.
لم ينس البابا الجديد، أن يخلق لنفسه تيارًا فى المجمع المقدس فعمل على تشكيل حرس جديد من رجاله، رسم أساقفة جددًا وولاهم المناصب القيادية فى الكنيسة، ولأن القوانين الكنسية لا تعرف الخروج على المعاش أو الإقالة فلم يكن أمام البابا الجديد حلًا سوى إعادة تبديل المواقع الكنسية بين أساقفة لا يزيحهم من مقاعدهم إلا الموت.
البابا يرسم اساقفة جدد
دأب البابا منذ توليه كرسى مارمرقص فى نوفمبر عام 2012 على تقسيم الايبراشيات الكنسية الكبيرة عددا ومساحة إلى ايبراشيات أصغر على أن يرقى أسقفا لكل إيبراشية حتى تسهل رعاية شعب الكنيسة الموزع على مختلف أنحاء البلاد وكذلك فى المهجر.
ومنذ توليه منصب البطريرك قبل أربعة أعوام، ضم البابا 24 راهبا جديدا إلى عضوية المجمع المقدس، بعد أن منحهم رتبة الأسقفية كان من بينهم الأنبا انجيلوس الأسقف العام لشبرا الشمالية بعد أن تم تقسيم الايبراشية، والأنبا ماركوس الأسقف العام لحدائق القبة، والأنبا بافلى الأسقف العام للشباب بالإسكندرية والأنبا ايلاريون الأسقف العام لألماظة وعزبة الهجانة، والأنبا هرمينا الأسقف العام لعين شمس والمطرية وحلمية الزيتون وعزبة النخل حيث تم تقسيم محافظة القاهرة إلى 8 ايبراشيات لتتناسب مع الزيادة المطردة فى سكانها.
وفى المهجر، قسم البابا عدد من الايبراشيات مترامية الأطراف وجلس عددا من الأساقفة عليها مثل الأنبا ميشائيل أسقف جنوب المانيا وتوابعها ورئيس دير الأنبا انطونيوس بكريفلباخ بألمانيا والأنبا ارسانى أسقف هولندا وبلجيكا والأنبا لوقا أسقف جنوب فرنسا والقطاع الفرنسى والأنبا كاراس الأسقف العام والنائب البابوى بأمريكا والأنبا كليمنضس الأسقف العام لشرق كندا والأنبا مارك الأسقف العام بباريس، والأنبا انطونيوس مطران الكرسى الاورشليمى والشرق الأدنى.
غلب عنصر الشباب على اختيارات البابا تواضروس للأساقفة الجدد، حيث يبلغ متوسط أعمارهم 48 عاما، كان آخرهم الأنبا انطونيوس مطران القدس والكرسى الأورشليمى الذى سيم أسقفا نهاية فبراير الماضى حيث ولد عام 1969 ويبلغ عمره 47 عاما، كذلك فإن البابا تواضروس كسر عرفا كنسيا دارجا واختار اثنين من الكهنة المتبتلين (القمص أسحق سانت أنتونى والقمص چون سانت أنتونى) لرتبة الأسقفية بعد أن اعتادت الكنيسة على اختيار الرهبان لمناصبها العليا.
كذلك فإن البابا عمل على الاستعانة برجاله فى المناصب الكنسية العليا لصالح إقصاء الكثير من رجال البابا شنودة الذين سيطروا على مقدرات الأمور فى المقر الباباوى لسنوات طويلة، واستطاع أن ينجز قانون بناء الكنائس لأول مرة منذ 160 عاما بعد شد وجذب مع الدولة.
وعلى صعيد الرهبنة، عمل البابا تواضروس على وضع لوائح تنظم العمل فى هذا الملف، وأسنده إلى الأنبا دانيال آفا بولا أسقف ورئيس دير الأنبا بولا بالبحر الأحمر، وأحد الجدد الذين استعان بهم البابا تواضروس فى التشكيل الجديد.
المفكر القبطى كمال زاخر، قال "نحن أمام تغير جيلى وليس مجرد تغير فى الأشخاص، فالبابا استعان بأساقفة شباب، لأن هناك متغيرات من الخارج اقتحمت المشهد الكنسى والتحديات أصبحت صعبة"، ويؤكد زاخر، أن وسائل التواصل الاجتماعى التى صارت متقدمة جدًا تحتاج إلى من يدرك كيفية التعامل معها، مضيفًا: لابد من وجود رجال حول البابا يملكون القدرة على التعاطى مع التغيرات.
واعتبر زاخر، فى تصريحات خاصة، أنه من الخطأ قراءة هذا الاستبعاد بعيون سياسية، لأن هذا يؤدى إلى نتائج فى غير صالح الكنيسة ونتمنى أن يكون هناك معايير موضوعية فى اختيار أهل الكفاءة وليس أهل الثقة والرضا والقبول والولاء، مختتمًا "نحن أمام مؤسسة عمرها 2000 سنة والصراعات فيها وحولها لا تنقطع رغم أن رسالتها مواجهة الشر وتحتاج لأدوات لم يصبها بعد رذاذ السياسة".
البابا تواضروس الثانى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة