نشوى رجائى السماك تكتب: حظ سعيد

الجمعة، 18 نوفمبر 2016 06:21 م
نشوى رجائى السماك تكتب: حظ سعيد أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الآن فقط انتهى "سعيد" من كتابة آخر سطور روايته الجديدة فترك القلم من يده أخيرا وقام منتشيا بإنجاز هذا العمل ثم انطلق نحو مطبخه لتناول كوبا من اللبن البارد كعادته فى نهاية كل ليلة، ثم عاد إلى غرفته ليأوى إلى فراشه، فإذا به يجد شخصا جالسا على طرف سريره موجها ظهره إليه ولا يرى وجهه.

 

كاد "سعيد" أن يخر مغشيا عليه، لكنه لم يفعل.

 

قال "سعيد" بصوت مرتعش يخرج من حنجرته بصعوبة: من أنت؟ وكيف دخلت إلى هنا؟

 

وقف الرجل الغريب ثم استدار إلى "سعيد" فقال: أعرفتنى الآن؟ أنا هشام.

 

تمنى "سعيد" أن يغشى عليه لكن دون جدوى، تمنى أن يوقظه أحدهم من هذا الكابوس السخيف لكن أحدا لم يفعل لأنه لم يكن نائما وما يراه ليس بكابوس، إنما هو واقع ليته ما وقع.

 

حاول "سعيد" مرة أخرى أن يستدعى صوته المختبئ داخل حنجرته ثم قال: أنت مجرد شخصية خلقتها فى خيالى، كيف تتجسد هكذا

 

رد هشام فى تأثر: خلقتنى بخيالك وجسدتنى بقلمك وكتبت مأساتى بإرادتك.

 

قال "سعيد" وهو يحاول أن يصدق ما يراه: لقد خرجت من صفحات روايتى؟

 

رد هشام : نعم

 

فقال سعيد: وماذا تريد؟

 

"لقد قررت أنت أن يقتلنى غريمى، لماذا كتبت له الحياة وكتبت لى الموت؟ أنا أريد أن أفلت من الموت".

 

صمت "سعيد" قليلا محاولا استيعاب ما يحدث ثم قال محاولا إقناعه: وبم سيفيدك الإفلات من الموت إذا كان بنهاية الرواية ستنتهى كل أدواركم جميعا؟

 

لم تبد على "هشام" أى بوادر للاقتناع بما يقوله "سعيد"، فأسرع الأخير ليقول: أكان يرضيك أن تكون قاتله وتقضى ما بقى لك من عمر سجينا، ذليلا؟ أنت "سعيد" الذى يئن فؤاده كلما رأى طائرا مسلوب الحرية خلف قضبان قفص لعين.. صدقنى لن تحتمل السجن.

 

رد "هشام: مممم.. سوف أفكر فى الأمر وإن لم يعجبنى سوف أجيئك مرة أخرى.

 

هم "هشام" بالمغادرة ليعود إلى صفحات الرواية الملقاة فوق المكتب لكنه أراد أن يقول شيئا لسعيد قبل أن يعود إلى الصفحة التى جاء منها: "لكن تذكر جيدا أن هذه الرواية أكثر بؤسا من حياتكم. لا أعرف لماذا تحبون صناعة البؤس فى حياة غيركم!!".

 

اختفى "هشام" فتنفس "سعيد" الصعداء وراح يهز رأسه محاولا أن يستفيق من هذا الوهم.

 

"يبدو أننى تأثرت بروايتى أكثر مما ينبغى" هكذا قال "سعيد" مخاطبا نفسه، ثم ألقى بنفسه على الفراش وأغمض عينيه واستسلم إلى النوم.

 

انقضى الليل فى هدوء ثم قرر المنبه أن يمارس عادته اليومية فى إيقاظ "سعيد" بصوته المزعج الذى لا ينقطع إلا إذا مد صاحبه يده ليضغط على زر لإيقافه، أخرس "سعيد" منبهه بيده وهو مغمض عينيه لا يريد أن يفتحهما فهو لم يشبع من الراحة بعد، شعر "سعيد" بيد تنكزه محاولة إيقاظه، لكن لمن تكون هذه اليد وهو مقيم بمفرده بهذا المنزل الصغير!

 

حاول "سعيد" تكذيب نفسه فقرر ألا يلتفت لكنه لم يستطع أن يغمض عينيه، فشعر مرة أخرى بنكزة جديدة، انتفض قائما ونظر إلى جواره فوجد هذه المرة "بيومى".

 

أراد "سعيد" استدعاء الإغماء ليرحمه من هذه الصدمة لكن بلا جدوى كالعادة، ظل "سعيد" ينظر إلى "بيومى" دون أن يسعفه لسانه ليسأله ماذا تريد منى، لكن "بيومى" هذا الهارب من الرواية قرر أن يقطع هذا الصمت قائلا: "فراشك جميل ومريح، فضلت ألا أتحدث معك إلا فى الصباح وأن أقضى الليلة نائما بجوارك على هذا الفراش المريح النظيف بعد أن تسبب لى فراش السجن فى آلام فى ظهرى".

 

وضع "سعيد" وجهه بين كفيه ثم قال: "كنت نائما بجوارى يا بيومى طوال الليل؟! حسنا، ماذا تريد أنت الآخر؟".

 

"لقد قتلت هشام وحكم القاضى على بالسجن المؤبد، أنا لا أريد السجن".

 

أزاح "سعيد" كفيه من فوق وجهه ونظر إلى بيومى ثم قال: "إذن فأنت لا تريد أن أجعلك تقتل هشام"

 

بل أقتله، لكن دون سجن

 

ثم استطرد "بيومى" قائلا فى تأثر: "أريد أن أجد مثلك فراشا وثيرا أمدد جسدى فوقه كل ليلة.

 

أطرق "سعيد" مفكرا لثوانى ثم قال: "اسمع يا بيومى، لا أجد حلا أفضل من أن أجعل هشام يفلت من القتل وبالتالى لن يقضى عليك بالسجن".

 

أراد "بيومى" أن يعترض لكن "سعيد" طلب منه أن ينصرف الآن و يفكر فى الأمر على مهل.

جلس "سعيد" محاولا استيعاب ما يحدث، لكنه فجأة وجد نفسه محاطا بشخصيات روايته جميعا وفى مقدمتهم "هشام" الذى عاد إليه مرة أخرى.

 

تقدم "هشام" قائلا: "لقد فكرت فى الأمر وقررت قرارا وعرضته على جميع زملائى الذين تجرعوا البؤس مسجونين بين صفحات روايتك".

 

كان "سعيد" فاغرا فاهه، محدقا إلى هؤلاء الذين خرجوا من بين أوراقه الملقاة فوق مكتبه.

 

استكمل "هشام" حديثه قائلا: قررنا جميعا مغادرة روايتك، وأن يشق كل منا طريقه من جديد خارج الرواية.

 

اقتربت "سوزى"، تلك الفتاة اللعوب ذات الشعر الأحمر والبشرة البيضاء، فى دلال نحو "سعيد" وهمست فى أذنه: "كم أنت وسيم، لن أتركك".

 

ابتعد "سعيد" وألجأ ظهره إلى حائط الغرفة وهو ينظر إليهم جميعا، وقد تعالت أصواتهم واختلطت أحاديثهم فلم يعد يستطيع أن يميز ماذا يقولون، ثم........!!!

 

ثم قررت أنا أن أترك هذه القصة العجيبة عند هذه النهاية وأقوم لأخلد إلى النوم وأتمنى ألا يصيبنى مثل ما أصاب "سعيد".










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة