«شق طريقك بابتسامتك خير من أن تشقها بسيفك»، «أعطاك الله وجها وأنت تصنع لنفسك آخر»، «ليس من الشجاعة أن تنتقم بل أن تتحمل وتصبر»، «الرجال الأخيار يجب ألا يصاحبوا إلا أمثالهم»، «ليس فى العالم وسادة أنعم من حضن الأم»، «زينة الغنى الكرم وزينة الفقير القناعة وزينة المرأة العفة». هذه بعض حكم الأديب الإنجليزى شكسبير التى ساقها على ألسنة أبطال مسرحياته بطريقة أو بأخرى أو قال بعضها مباشرة. وهذه الحكم وغيرها تدل على اهتمام شكسبير بالقيم النبيلة الرائعة وإعلائه لقيم العدل والحق والكرم وذم البخل. وهذا العام تحتفل بريطانيا بمرور 400 عام على رحيل أديبها الكبير شكسبير، وبهذه المناسبة قررت بريطانيا عرض مسرحياته مرة أخرى فى ثوب جديد وبطريقة مختلفة تناسب العصر الحديث، فكل جيل جديد يعرض مسرحياته بطريقة تناسب عصرها، كما قررت بريطانيا فتح المسارح للجمهور مجانا، وقررت كذلك دور النشر والجامعات طباعة أعمال شكسبير طبعة مميزة، أما الصحف البريطانية الكبرى فقررت توزيع بعض أعمال شكسبير فى نسخ مجانية كهدية مع أعدادها الأسبوعية.
شكسبير يستحق ذلك من أمته، لأنه قدم أدباً إنسانياً راقياً لا يعرف المجون أو التبذل أو الخلاعة، لم يشجع يوماً على الزنا والرذيلة أو الفساد، لقد حافظ شكسبير على القيم الإنسانية النبيلة فى أدبه فعاش هذا الأدب واستحق أن تخلده أمته، أدب شكسبير لم يصطدم بالدين ولا الرسل ولم ينشر الإلحاد أو يسخر من حملة الدين، ولذلك استحق الخلود مع أدبه.
الإنجليز يحتفون بتراثهم ورموزهم وأدبائهم العظام، ونحن نهيل التراب على تراثنا ورموزنا وأدبائنا، نحن نختزل تاريخنا فى الحكام والحكومات وحروبهم وصراعاتهم السياسية وهؤلاء لا يصنعون الحضارات بقدر ما يصنعها العلماء والأدباء والمفكرون.
رغم مرور كل هذه السنوات على رحيل شكسبير فإن بريطانيا لم تنشغل عنه بشىء وكلنا يتذكر قولة تشرشل رئيس وزراء بريطانيا «إن بريطانيا على استعداد للتنازل عن معظم مستعمراتها فى الشرق ولا تتنازل عن مسرحية واحدة لشكسبير»، هذا فى الوقت الذى ننسى فيه شعراءنا العظام وأدبائنا الكبار، فالمتنبى شيخ شعراء العربية الذى تحولت معظم قصائده إلى حكم متداولة لا يذكره اليوم أحد، فضلاً عن الشعراء العظام المحدثين شوقى، حافظ، أحمد محرم، ومحمد عبدالمطلب، فمن يذكر اليوم ابن الرومى أو الشريف الرضى، أو محمد إقبال أو عمر الخيام أو البحترى أو أبى تمام.
هل احتفلت أمتنا ودولنا يوماً بعباقرة لدينا أعظم من شكسبير أمثال حجة الإسلام أبوحامد الغزالى أو فيلسوف الإسلام ابن راشد أو فقهاء الإسلام العظام أمثال أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد والأوزاعى والليث بن سعد أو علماء اللغة الكبار مثل سيبويه الذى يشتمه البعض اليوم أو الخليل بن أحمد أو الجرجانى أو ابن منظور أو الثعالبى، أو المحدثين مثل تمام حسان، أو عبدالوهاب عزام، أول من ترجم قصائد إقبال، الذى ترجم كثيراً من العربية للفارسية وبالعكس، أو محمد عبدالمنعم خفاجى جاحظ القرن العشرين الذى ألف قرابة 500 كتاب أهملها الجميع، أو عبدالتواب يوسف رائد أدب الطفل أو حسين مؤنس كأعظم أديب ومؤرخ ومترجم من الإسبانية فى القرن العشرين، أو الشيخ طنطاوى جوهرى الأزهرى الوحيد الذى رشح لجائزة نوبل فى الأدب، أو العلامة د. عبدالجليل شلبى الذى وسع الدنيا كلها علماً وفكراً وكان من أفضل من ترأس مجمع البحوث الإسلامية، أو د. حامد عمار رائد التربية والتعليم فى مصر الذى ألف عشرات الكتب التربوية ونماذج التعليم فى العالم. ورغم ذلك فمعظم الذين تولوا حقيبة التعليم فى مصر كانوا فشلة وكل العلماء المبدعين لم تسند إليهم هذه الحقيقة أو يمنحوا حتى جائزة من جوائز الدولة، خاصة إذا لم يكونوا على هوى وزراء الثقافة.
تاريخنا يعج بالمئات مثل شكسبير وأفضل منه ولكن بلادنا عكس بريطانيا تطمس رموزها وتهيل التراب على مفكريها، وتطمس حسنات الأفذاذ من أبنائها، خاصة إذا اختلفوا سياسياً أو فكرياً مع حكوماتهم، وحتى لو أثبت الزمان صحة رأيهم وخطأ رأى حكوماتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة