هل يحتاج هذا الوطن المأزوم اقتصاديًا إلى معارك يفتعلها الباحثون عن شهرة أو وجود فى بؤرة الضوء؟، وهل من المجدى أن نفتح المساحات أمام هؤلاء الذين كلما خبت أضواؤهم «فتشوا» فى دفاترهم القديمة عن «خناقة» 25 يناير و30 يونيو لإشعالها فى نفوس الناس؟
الإجابة سهلة، مصر أهم، وتلك المعركة تحديدًا يصنعها الباحثون عن مكاسب شخصية، تسألهم: لماذا تنفخون فى نار الخلاف باستدعاء آراء ومعارك تجاوزها الزمن الصعب؟، يخبرونك بأن حرية الرأى والتعبير تكفل لهم حق الهجوم على 25 يناير، حتى لو حسم الدستور هذا الجدل، وتلك هى الأضحوكة بعينها.
«إنهم يخشون على حرية الرأى والتعبير»!.. تتبع تلك الجملة ضحكة غير منضبطة الإيقاع، تخيلها هكذا، واسمعها بصوت المرحومة وداد حمدى، ولا تتعجل تفسير الكلام، هو قادم لك فى السطور التالية..
تعيش مصر فى المنتصف بين ميدانين، الأول لبقايا أهل 25 يناير، والثانى لتجمع المصالح الذى استعاد شبابه بعد 30 يونيو، ولكل ميدان متطرفونه ومجانينه من البشر، وفى كل ميدان منجنيق يقذف حجارة التخوين والعمالة والإساءة والإهانة على الآخر، العقل يقول إن مصلحة مصر أهم من الفئة الأولى، وأعظم شأنًا من الرغبة الانتقامية للفئة الثانية، ولذا تبدو الدولة هنا مطالبة بالتدخل لإطفاء هذه النار بحسم وقوة، ممثلين فى التبرؤ من كل الخارجين على إطار ما أقره الدستور بخصوص 25 يناير، وإعلان غضبها فى وجه كل من اتخذ «الشتيمة» أسلوبًا فى الترهيب، وكل من يتهم 25 يناير بأنها خيانة ومؤامرة، لأنه فى اتهامه يورط الجيش والرئيس اللذين أعلنا من قبل اعتبار 25 يناير ثورة شعبية، أصابها ما أصابها من عطب، أو خروج عن المسار، أو سوء استغلال، ولكنها عبرت عن حراك شعبى أكد الجيش فى أكثر من مناسبة أنه تدخل لحمايته والحفاظ عليه.
السياسيون، أو من يدعون أنهم كذلك، وبعض المثقفين وأهل الإعلام انقسموا على أنفسهم بعد 30 يونيو إلى فريقين، وكل منهم ارتدى «فانلة» غير الأخرى، وطبع نفسه بطبائع جماهير الدرجة الثالثة، وتركوا المباراة، وتفرغوا لتبادل الاتهامات والشتائم والسباب.
غرقوا فى مستنقع «سيب وأنا سيب»، و«ثورتنا أحسن من ثورتكم»، وأصبحت شعائر المعركة بين ممثلى 25 يناير و30 يونيو واحدة من مسببات الشهرة، يقتات بعض الكتاب والمذيعين على سب 25 يناير، ويتحول بعض السياسيين والنشطاء إلى مناضلين حينما يذكرونها بخير، حتى وإن كانوا أحد أسباب نكبتها، بينما فى المنتصف تقف مصر مشلولة، ومشغولة بمعركة هامشية تهدر وقتها المفروض تخصيصه لمواجهة التحديات الصعبة.
فى 1996 أنتج التليفزيون المصرى «أوبريت» استعراضيًا شهيرًا للفنانة نيللى بعنوان «اللعبة»، الآن وفى 2016 يعيد عدد من أهل البرلمان والإعلام إنتاج نفس الأوبريت، ولكن بوجوه لا تحمل أبدًا نفس براءة، ولا بشاشة نيللى، وجوه تكسوها ملامح المصلحة والهستيريا والصراخ، ولكنهم يفعلون كما فعلت نيللى مع الأطفال فى الأوبريت.
كل طرف منهم أمسك بأطراف ثورة 25 يناير، و30 يونيو وتجاذبوا الشد وهم يغنون: «اوعى سيبى اللعبة بتاعتى- لا دى بتاعتى- يا سلام ياختى- متشدش طب يلا سيبيها- لا دى بتاعتى- لا دى بتاعتى- ما تشدش- ما تشديش إنتى»، استمروا فعل ذلك حتى انقطعت أوصال هذا الوطن، مثلما تمزقت أوصال اللعبة، وخرج من جوفها من أعاد تربية الأطفال.
يقول العقل إن توقف الحرب، وإخماد نيران المصالح خير ألف مرة من أن تستمر حرب، فاشتعالها لن نحصد من خلفه سوى خراب وطن.. ولكنهم لا يسمعون!
من حق أى مواطن مصرى أن يرفض، ويعلن استمتاعه بالأعمال الكاملة «للشلة» التى نصبت نفسها متحدثًا باسم 30 يونيو والأخلاق والوطن، ولكنه لن يحصد من خلف ذلك سوى صورة للوطن تشبه صورة هذه «الشلة» التى لا يترجمها العقل إلا فى صورة قبيحة وسيئة الأخلاق.. وأنا وأنت قطعًا لا نريد لصورة الوطن أن تكون قبيحة وسيئة الأخلاق.
«واحد اتنين وكمان هوبا- سهلة جدًا مش صعبة- اللعبة يلعبها اتنين وتلاتة وألف وألفين- رايحة فين- جاية منين- كلنا أصحاب وأحبة»، هكذا قالت نيللى فى ختام الأوبريت الشهير، تخبرك بأن الحل سهل، من أجل مستقبل وطن لابد أن تختفى لغة التخوين والإقصاء، لكى يكون الكل أحبة، ولكن كيف نجعل الكل أحبة، وهناك سرب من غربان يشرد ليمارس البلطجة الفكرية والإعلامية على الجميع.. لا نهاية للصراع هنا إلا بضمانات رسمية تلزم هؤلاء الغربان باحترام الدستور، بالتعايش والوجود على تلك الساحة التى ما خلقت فى مرحلة ما بعد 30 يونيو إلا باحترام السياق الذى فرضه الدستور، وأكد عليه الرئيس، ووعدت به القوات المسلحة.. احترام 25 يناير و30 يونيو، ووضع ميثاق وضوابط للآلة الإعلامية، تضمن للمواطن المصرى المحترم ألا يسمع ألفاظًا خارجة عبر برامج الهواء، وألا يكون عقله أسيرًا لاستديوهات وأحزاب لا تبيع له سوى الجهل والخرافة، وكل ما هو ساخن وتافه من قضايا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة