سأتوقف هنا عند تلك الجملة التى جاءت فى التقرير الطبى الأول الذى نشره موقع «اليوم السابع» عن حالة المواطن «مجدى مكين» الذى توفى فى قسم الأميرية، فقد قال التقرير إن جثة القتيل بها «خدوش قديمة على الساق» وبعض التقيحات بسبب مرض السكر، نافيا وجود آثار تعذيب على جثة المتوفى، وفى الحقيقة فإن هذا التقرير بالنسبة لى هو أخطر ما فى القضية التى شغلت الرأى العام طوال الأيام الماضية، فلو لم يصور أهل القتيل فقيدهم وإن لم يعرضوا صوره على الرأى العام، لما رأينا كل تلك الإصابات التى تنفى هذا التقرير جملة وتفصيلا، وهنا تظهر الأزمة العميقة بين الدولة والشعب، أزمة الشفافية، أزمة الضمير، أزمة الثقة.
تلك هى الأزمة الحقيقية، أزمة إن لم تنتبه لها الدولة الآن فإن آثارها المدمرة لن تتوقف، فمصر الآن تخوض معاركا لا حصر لها، معاركا يدفع الشعب فاتورتها برضاه ورغما عنه فى آن، فقد اعتبر الشعب نفسه جنودنا فى معركة، متحملا ما يتحمله الجندى فى المعركة من تقشف، متحليا بجلد نادر، وكان واجبا على الدولة أن تكون على قدر هذا الشعب الصابر المثابر، فتدعم ثقته فيها، وتحافظ على روابط الثقة بينهما، لكن للأسف تأتى واقعة مثل تلك الواقعة لتزعزع الثقة من أساسها، بشكل يجعل الشعب متشككا فى جميع ما يصدر إليه من تعليمات أو تطمينات.
الأمر هنا يخرج من إطار الإدانة أو التحريض أو سكب الوقود على الشرر المستعر، الأمر هنا يدخل فى صلب العلاقة بين الدولة والمواطنين، فالعهد الذى بيننا وبينهم هو الحماية، تحمى الدولة شعبها، ويطيع الشعب دولته ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وحكامها يقسمون على «رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة» وفى الحقيقة فإن التقرير الذى صدر من وزارة الصحة حول سبب وفاة المواطن «مجدى مكين» يثبت وجود خلل فى فهم علاقة الدولة بالمواطنين، وأن بعض مؤسسات الدولة ليست أهلا للمسؤولية وليست أهلا للثقة وليست أهلا للمرحلة الحرجة التى نمر بها، هذا التقرير أثبت أن مصر بها «خدوش قديمة» حقا، لكن ليس على ساق مجدى مكين وإنما على وجه هذا الوطن.