فى ظل تصاعد الأزمة السياسية فى تونس، والشروخ التى أصابت حزب الرئيس "نداء تونس" شريك حركة النهضة فى الحكم، وتوقعات المراقبين بانهيار وشيك للتحالف، اتجه إخوان تونس إلى البحث عن تحالفات جديدة تضمن لهم قوة البقاء فى السلطة.
حركة النهضة بدأت بالفعل ترتيب أوراقها والاستعداد مبكرًا لمرحلة تغيير التحالفات، حيث التقى رئيسها راشد الغنوشى الجمعة الماضية عبد الله القلال وزير الداخلية الأسبق فى عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن على، ووفد من كبار المسئولين فى العهد السابق سرًا، وهو اللقاء الذى يكشف النقاب عن التحولات التى يتم الترتيب لها فى المشهد السياسى التونسى، وتبدل التحالفات بين القوى المختلفة، بغض النظر عن الخلفيات الإيديولوجية أو الفكرية.
ونقلت صحيفة الشروق التونسية عن مصادر مطلعة أن اللقاء السرى تناول الوضع السياسى العام فى ظل الحاجة الماسة لتدعيم المصالحة بين التونسيين وطى صفحة الأحقاد، حيث أكد الغنوشى لرموز بن على أن "النهضة" تتمسك بمسار العدالة الانتقالية وبهدف تطهير جروح الماضى بعيدًا عن ثقافة الانتقام والتشفي، وأن الثورة لا تعنى إلغاء منجزات دولة الاستقلال والحركة الوطنية، أو تهميش الكفاءات التونسية والطاقات المعطلة، التى اقتصر دورها فى الغالب على تنفيذ التعليمات فى كنف الانضباط.
واعتبرت الصحيفة أن اللقاء يمثل اختراقًا نفسيًا فى غاية الأهمية وهو بلا شك يعكس أن حركة النهضة ماضية فى تحالفاتها مع رموز النظام القديم فى إطار ما يعرف بالتحالف بين الإسلاميين و"الدساترة" ـ رموز العهد السابق ـ حيث تضع يدها اليوم فى يد عبد الله القلال وزير داخلية بن على الذى كان له يد فى التنكيل بالإسلاميين فى العصر الماضى.
وأكد القيادى بحركة النهضة ورئيس المكتب السياسى نور الدين العرباوى أن لقاءً جمع بين زعيم الحركة راشد الغنوشى ووفد من رموز نظام بن على يرأسهم عبد الله القلال وزير الداخلية الأسبق، لكنه رفض الكشف عن أسماء الوفد، مؤكدًا أنه ضم عددًا لا بأس به من مسئولى العهد السابق".
وقال فى تصريحات لموقع "الإخبارية التونسية" إن راشد الغنوشى لديه رغبة فى طى صفحة الماضى وتصفية الأحقاد، مؤكدًا أن حكام تونس الجدد والفاعلين فى الشأن السياسى لا يجب أن يبقوا رهينة الماضى بل من واجبهم دفع مسار العدالة الانتقالية بعيدًا عن منطق التشفى وخدمة لمصلحة تونس، رافضًا الإفصاح ما إذا كان إلقاء يحمل فى طياته صفقة سياسية أم لا.
وعبد الله القلال هو سياسى تونسى تولى مناصب مهمة فى عهد الرئيس زين العابدين بن على، وثبتت ضده تهم فى حقوق الإنسان وحكمت محكمة تونسية ضده بحبس سنتين فى قضية براكة الساحل التى اتهم فيها النظام السابق الإسلاميين بمحاولة الانقلاب عليه.
وتشهد التحالفات التونسية القائم عليها الحكم مرحلة اختلال فى التوازن السياسى داخل تونس، حيث يمر حاليًا حزب الرئيس بالعديد من الخلافات والانقسامات الداخلية التى ترجح احتمالية عدم استمراره كحزب قوى فى السلطة، وهو ما يترك الساحة لحركة النهضة منفردة باعتبارها الكيان السياسى الأقوى فى تونس والقادرة على المنافسة بقوة، وحذر السياسيون من تحالفات قادمة قد تتم بين النهضة وفلول نظام بن على الذين عملوا خلال السنوات الماضية على توحيد جبهتهم وفى ظل انقسام جبهة العلمانيين، حيث يتوقع الكثيرون أن تتوصل النهضة لتسوية تحت الطاولة تنتهى بتبرئة الرئيس الأسبق زين العابدين بن على.
وهناك ربط قوى بين تحركات النهضة لعقد تحالفات جديدة تحسبًا لسقوط شريكها نداء تونس وسلسلة لقاءاتها مع المسئولين فى العهد السابق والتى لم يكن لقاء الغنوشى والقلال هو الأول فيها، بل يرى البعض أن عودة بن على لتونس والتى ترددت مؤخرًا أنباء عنها تأتى ضمن الصفقات التى تتم فى الخفاء خاصة فى ظل دعوة السعودية مؤخرًا للغنوشى لتأدية فريضة الحج فى سبتمبر الماضى بعد أن كان ممنوعًا من دخولها.
وموقف الغنوشى لم يكن مفاجأة فمنذ ثورة الياسمين فى 2011 وصعود حركة النهضة للحكم وكان لها مواقف متحسبة ليوم كهذا الذى تتحالف فيه مع رموز النظام القديم، ففى 2014 قال الغنوشى عن عودة الرئيس السابق بن على لتونس: ”ليعد بن على إلى تونس، فهى تتسع للجميع، وزين العابدين ليس بتلك الأهمية حتى نضحى بعلاقتنا مع السعودية".
وفى 2015 رفض الغنوشى حرمان الرئيس المخلوع زين العابدين بن على وعائلته من جواز السفر التونسى، وقال إن ما ارتكبه المخلوع من جرائم شأن قضائى وإن تونس اليوم فى حاجة إلى العفو والتسامح ودفن أحقاد الماضى.
وأضاف الغنوشى أن بن على وأفراد عائلته من حقهم الحصول على جواز سفر حتى لا يعيشوا مطاردين، وأن جواز السفر حق لكل تونسى يكفله الدستور، وهو ليس منة من الدولة وشأنه شأن بطاقة التعريف (الشخصية)".
وأوضح أن "تونس تحتاج إلى مصالحة فعلية وأن تتخلص من أحقادها"، مضيفًا أنه "علينا أن نحفر حفرة اليوم نردم فيها كل الأحقاد ونتجه نحو المستقبل"، وفى إبريل الماضى كان لقاء بين محمد الغرياني، آخر أمين عام لحزب الرئيس الأسبق والغنوشى، ودعا بعدها رئيس النهضة إلى ضرورة تصفية الملفات وطى صفحة الماضي، لأن البلاد لم تعد تتحمل وجود أناس ممنوعين من السفر، والبعض الآخر مهددون بالسجن، وآخرون محرومون من الشغل، لافتًا إلى أن هذا الملف مطلوب التفكير فيه من أجل طيه مرة واحدة والاتجاه إلى المستقبل من أجل تحقيق أهداف ثورتنا المباركة فى التنمية وتوفير الشغل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة