قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن هناك صراعا يقف خلف كثير من الفوضى فى الشرق الأوسط، والحروب فى سوريا واليمن، والتوترات السياسية فى العراق ولبنان والبحرين، حيث تخوض السعودية وإيران صراعا على الهيمنة حوّل كثيرا من المنطقة إلى ميدان معركة بينهما، وبدلا من القتال بصورة مباشرة، كان صراعا بالوكالة، وهو ما أدى إلى تفاقم أكبر مشكلات الشرق الأوسط من ديكتاتورية وعنف مسلح والتطرف دينى.
وتابعت الصحيفة قائلة إن تاريخ الخلافات بين البلدين أدى إلى تفكيك الشرق الأوسط، وزرع ثمار الطائفية الشيعية السنية التى وجد الطرفان أنها مفيدة. وهى قصة كانت الولايات المتحدة طرفا داعما فيها، وآخرها دعم السعودية فى حربها فى اليمن التى أدت إلى مقتل الكثير من المدنيين. ويحذر العلماء من أن يهدد بمستقبل من الحروب الأهلية والمجتمعات المنقسمة والحكومات غير المستقرة.
وتقول الصحيفة إن جريجورى جوس، أستاذ العلاقات الدولية فى تكساس عانى من أجل أن يحدد اسم منطقة أخرى ممزقة بهذه الطريقة.. ويشير إلى أن أفريقيا الوسطى ربما تكون مشابهة، فى إشارة إلى عقدين من الحروب غير ذات الصلة والإبادات الجماعية التى أدى إلى مقتل خمسة ملايين شخص بسبب تدخل قوى إقليمية. لكن فى الشرق الأوسط، لا يزال الأمر فى البداية.
وتمضى الصحيفة قائلة إن السعودية، الدولة الحديثة التى تجمعت معا فى ثلاثينيات القرن الماضى، بنت شرعيتها على الدين، فمن خلال تعزيز إشرافها على الأماكن المقدسة فى مكة والمدينة المنورة، يمكن أن تبرر قبضة أسرتها الحاكمة على السلطة، على حد قول الصحيفة. حتى جاءت ثورة إيران عام 1979 لتهدد شرعيتها، حيث أطاح الإيرانيون بحكومة علمانية ونصبوا إسلاميين زعموا أنهم يمثلون ثورة للعالم الإسلامى كله، حسبما يقول كينيث بولوك، الخبير فى معهد بروكينجز.
وحث الثوار كل المسلمين، لاسيما السعوديين، على الإطاحة بحكامهم أيضا، لكن لأن إيران دولة شيعية، كان لها النفوذ الأكبر فى الوصول إلى الجماعات الشيعية. وبعض السعوديين الشيعة الذين يمثلون حوالى 10% من الشعب، احتجوا أو أسسوا حتى مكاتب لهم فى طهران، مما أثار مخاوف السعوديين من اضطرابات داخية ودعوات انفصالية.
وكانت هذه بداية إرساء الطابع الطائفى للخصومة بين البلدين والذى شمل فيما بعد المنطقة بأسرها.
الحرب العراقية ـ الإيرانية
وذهبت نيويورك تايمز إلى القول بأن أولى الحروب بالوكالة بين السعودية وإيران كانت فى الثمانينيات، عندما غزا صدام حسين إيران أملا فى السيطرة على هذا البلد الغنى بالنفط.
ويقول بولاك إن السعودية دعمت العراقيين لأنهم أرادوا وقف الثورة الإيرانية. وهذه الحرب التى استمرت ثمانية أعوام وقتلت حوالى مليون شخص، أسست نهجا للصراع الإيرانى السعودى بالوكالة، وشجعتها الولايات المتحدة التى كانت سياستها الحفاظ على الوصول لعائدات النفط والغاز الهائلة.
وقد استنفذ الصراع حماس إيران لزرع بذور ثورتها فى الخارج، لكنه أعطاها مهمة جديدة، وهى قلب النظام الإقليمى الذى تقوده السعودية وتدعمه أمريكا والذى يرى طهران بمثابة تهديد وجودى.
وهذا الإحساس بعدم الأمن هو الذى دفع إيران لاحقا للتدخل فى شئون الخارج وربما لامتلاك برنامج نووى أيضا، حسبما يقول مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة جورج تاون.
توقف التنافس فى التسعينيات
وشهدت مرحلة التسعينيات توقفا فى التنافس الإقليمى بين طهران والرياض، لكنها هيأت الظروف للانفجار الذى حدث فيما بعد. فالسعودية، رغبة منها فى احتواء وصول إيران إلى أقليتها الشيعية، سعت إلى تشديد الخلافات السنية الشيعية، وروجت برامج الحكومة فيها لمشاعر العداء للشيعة فى المدارس والجامعات الإسلامية والإعلام، وفقا لما يقوله توبى كاتثينست، الباحث فى جامعة أكسفورد، وذلك فى تقرير له بمركز كارنيجى.
وأدت هذه السياسة كما يقول الباحث إلى زرع المخاوف الطائفية، وأحيانا العنف الذى غذا لاحقا آيديولوجية داعش.
قلب توازن القوى فى الشرق الأوسط
وتقول نيويورك تايمز إن الغزو الأمريكى للعراق للإطاحة بحكومة كانت معادية لكل من إيران والسعودية قلب توازن القوى فى الشرق الأوسط. فإيران التى كانت مقتنعة أن واشنطن والرياض سيؤسسان حكومة عراقية لينة، والتى تذكرت فظائع ما حدث فى إيران فى الثمانيينات سعت لملء فراغ السلطة بعد الحرب، وسمح لها نفوذها بين الجامعات الشيعية، التى تمثل أكبر جماعة عرقية فى العراق، للتأثير على سياسات بغداد.
أما السعودية من جانبها، فسعت إلى تحقيق مكاسب تساوى ما حققته إيران. لكن بعد سنوات من قمع الشيعة داخلها، عانت السعودية لتحقيق أى تقدم معهم فى العراق. ويقول جوس إن المشكلة بالنسبة للسعوديين هى حلفاؤهم الطبيعيين فى العراق، فى إشارة إلى الجماعات السنية التى كانت تتحول إلى "الجهاد".
وكانت هذه أول مؤشرات استراتيجية السعودية لاحتواء إيران بتعزيز الطائفية ومواءمة نفسها مع الأغلبية السنية فى المنطقة، لكنها أتت بردود فعل عنيفة. فانهارت الحكومات السنية، وتحولت الميليشيات السنوية إلى الإرهاب، ولم يعد أمام الرياض سوى وكلاء قليلين موثوق بهم.
لبنان
ومع اشتداد المنافسة بين إيران والسعودية فى العراق، سعى البلدان إلى توازن قوى آخر فى دول أخرى ضعيفة، فكانت لبنان.. حيث الديمقراطية الهشة التى كانت تتعافى من الحرب الأهلية، وأحزاب وميليشيات ينظمها بشكل أساسى الدين.
واستغلت السعودية وإيران ذلك لشن نوع جديد من الحرب بالوكالة، ليس فى ميدان معركة عسكرية تقليدية، ولكن فى السياسات المحلية لهياكل مؤسسية ضعيفة.
الربيع العربى
وعندما حدثت ثورات الربيع العربى عام 2011، فى أغلب الدول الحليفة للسعودية خشيت الرياض أن تستغل إيران الفراغ الناشئ فيها، فسارعت لإغلاقه وأحيانا بالقوة، فقدمت مليارات من المساعدات لمصر واليمن والأردن ودول أخرى. وفى مصر دعمت السعودية 30 يونيو ورات أن الحيش حليفا يعتمد عليه أكثر من حكومة الإسلاميين المنتخبة، أما ليبيا التى سقطت فى حرب أهلية، فدعمت الرياض الجنرال خليفة حفتر.
وتشير نيويورك تايمز إلى أن الولايات المتحدة عانت طوال العامين الماضيين لاستعادة توازن المنطقة، وحث أوباما السعودية وإيران على إيجاد طريقة لشراكة الجوار وتأسيس نوع من السلام البارد. إلا أن الخبراء الأمريكيين يشككون فى إمكانية تهدئة الصراع السعودى الإيرانى، وقالوا إن الشرق الأوسط متجه نحو مزيد من الحكومات الفاشلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة