ليست المرة الأولى التى تعلن فيها وزارة الخارجية السعودية أن الكاتب جمال خاشقجى لا يمثل الدولة بأى صفة، وما يعبر عنه من آراء تعد شخصية ولا تمثل مواقف حكومة المملكة العربية السعودية بأى شكل من الأشكال، ولن تكون الأخير أيضاً، مادامت أبواب الإعلام السعودى مفتوحة أمام كتابات خاشقجى، والفضائيات العربية من بينها السعودية تستضيفه بوصفه من المقربين لدوائر الحكم والسلطة فى الرياض.
بطبيعة الحال هو لا يمثل الدولة السعودية، لكن المساحة الممنوحة لخاشقجى فى الإعلام السعودى توحى للمتابع العادى بوجود رضا عما يكتبه فى الصحف ويقوله فى الفضائيات، حتى وإن كان مخالفاً لتوجهات الدولة السعودية، فلعبة تقسيم الأدوار لا تزال تسيطر على عقليتنا كعرب، لذلك لا عجب أن وجدت من يصنف جمال خاشقجى على أنه لاعب جيد لدور مرسوم له، دور المعارض لبعض السياسات السعودية فى بعض الأحيان، لكن بالتأكيد له هدف وهو توصيل رسالة بأن لسياسات المملكة معارضين لها فى الداخل، وأقصد هنا بالطبع سياسات المملكة الخارجية وليس الداخلية، لأن السياسة الداخلية لا معارض لها.
حتى إن كانت هذه النظرة قاصرة ولا تعبر بطبيعة الحال عن وضعية جمال خاشقجى فى الدولة السعودية، وأنه لا يعبر عنها، ولا يلعب دوراً مرسوماً له، لكن كيف نفسر لأصحاب هذه الرؤية القاصرة كتابات خاشقجى فى صحف سعودية، منتقداً على سبيل المثال الدولة المصرية بعد 30 يونيو، وهجومه المتكرر على القيادة المصرية، ومطالبته بعودة هادئة للإخوان إلى حكم مصر، فى حين أن الرياض اتخذت موقفاً رسمياً مسانداً لمصر 30 يونيو، واتحد كل كتاب الرأى والمثقفين السعوديين خلف رؤية بلدهم التى أعلنها العاهل الراحل الملك عبد الله بن عبدالعزيز، ومعه وزير الخارجية حينها، الأمير الراحل سعود الفيصل، ولم يشذ عن القاعدة سوى جمال خاشقجى، الذى ظهر فى الإعلام السعودى معادياً للثورة المصرية ولتوجهات بلاده وقتها، فى موقف غريب لم نسمع له تفسيرا منطقيا حتى الآن من أشقائنا.
الأمر لم يقتصر على مصر فقط، وإنما يوزع الكاتب السعودى كتاباته الناقدة على الجميع، فمؤخراً خرج على القناة الألمانية «DW» ووجه انتقادات علنية لوزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، وعلق على اعتذاره للحكومة اليمنية، التى يرأسها عبد ربه منصور هادى، بعد إعلانه التوصل إلى هدنة فى اليمن دون علم الحكومة الشرعية، وقال خاشقجى: «إن كيرى تخبط وتسرع فى هذا الإعلان وأراد أن يحقق شيئا قبل أن يخرج من وزارته بأنه حقق شيئا ما، ويقول لقد أعدت السلام إلى اليمن»، وهو ما دفع الخارجية السعودية لإصدار بيانها الأخير الذى تتبرأ فيه من خاشقجى وتصريحاته».
بالتأكيد بيان الخارجية السعودية مهم فى هذا التوقيت، لكنه ليس كافياً لغلق صفحة جمال خاشقجى، الذى يتفنن يومياً فى أحداث الأزمة تلى الأخرى للملكة مع أشقائها العرب، فالقضية لا تتعلق فقط بأن تعلن خارجية المملكة أن كاتبا صحفيا لا يتحدث باسم المملكة، فهذا أمر معروف ومسلم به، لكن المطلوب هو إجابة لسؤال مطروح منذ ثلاثة أعوام تقريباً، وهو من يحمى جمال خاشقجى، ويمنحه هذه المساحة فى الإعلام السعودى والخليجى، يكتب فيها كيفما شاء دون رقيب، يسىء لمصر وأشقاء آخرين، ويعطى انطباعاً لدى الجميع بأنه لا يتحدث من تلقاء نفسه، وإنما بأوامر من أشخاص معينين يحددون له ماذا يكتب وما سيقوله، وللأسف فإذا لم تتخذ الرياض موقفاً واضحا وصريحاً تجاه ما يكتبه ويقوله خاشقجى سيظل الاعتقاد السائد أنه يعبر عن رأى شبه رسمى، أو عن موقف يحظى برضا البعض فى المملكة، وهو أمر يسىء للملكة قبل أن يسىء لمن يكتب عنه خاشقجى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة