حين يتحدث أهلنا فى النوبة عن حقوقهم التاريخية المهدرة وعدم تنفيذ الحكومات المتعاقبة لوعودهم نحوها، فهذا يعنى أن الشعور العام لدى النوبيين فى شكواهم الأخيرة له ما يبرره، والشكوى تتمثل فى رفضهم خضوع الأرض التى سيتم استصلاحها فى منطقة «خور قندى» ضمن مشروع تنمية المليون ونصف المليون فدان لأى احتمالات أن تذهب إلى أحد غيرهم.
المخاوف على هذا النحو تستدعى مواجع قديمة لدى النوبيين عن تهجيرهم من قراهم الأصلية، سواء فى بدايات القرن العشرين مع بناء خزان أسوان عام 1902، والهجرة الثانية مع بناء السد العالى فى ستينيات القرن الماضى، وإذا كانت هذه المواجع لها ما يبررها لدى أهلها، وإذا كان النضال السلمى من أجل الحصول على الحقوق هو عمل مشروع لأى فئة من المجتمع له كل الاحترام والتقدير، فإن تجديد قصة النوبة تحديدا بين الحين والآخر تضعنا أمام سؤال كبير وهو: «لماذا تتجدد؟».
السؤال يعيدنا إلى زمن مضى وبالتحديد خلال حكم مبارك، حيث كان هناك من له مصلحة فى اللعب على أوتار العرقية والطائفية والمذهبية، ونتج من ذلك حوادث بين مسلمين ومسيحيين تم تصويرها على أنها حرب طائفية، كما جرت جرائم مثل تفجير كنائس، وضعت النظام كله أمام العالم فى صورة الذى يضطهد المسيحيين، وتم التخديم على هذا من منظمات للمجتمع المدنى تعمل بأجندة مشبوهة، إلى جانب هذا العبث الطائفى، كان هناك العبث المذهبى المتمثل فى مسألة «الشيعة» و«السنة».
فى نفس الوقت كان هناك من يلعب بورقة «النوبة» بتصويرها كما لو أنها «نزاع عرقى»، وجرى التخديم على ذلك بوضع مسألة التهجير فى سياق غير سياقها التاريخى، وتزييف الحقائق المرتبطة بها، والزعم بأنها «صراع بين الجنوب والشمال» و«صراع بين ثقافتين»، وصراع بين حضارتين»، وإذا كان من المفهوم أن دوائر غربية وصهيونية تستهدف مصر هى من تروج ذلك، فليس مفهوما أن بعض المصريين يتبنون ذلك ومنهم أشخاص نوبيون يعيشون فى الخارج.
مثل هذه المخططات المشبوهة تفشل بفضل الوعى الجمعى لأهلنا فى النوبة، لكن ارتكان الحكومات على هذا الوعى لا يبرر لها إطلاقا أن تهمل الملفات الحيوية لهذه المنطقة، ثم تتذكرها فجأة كلما جدت أزمة من نوع ما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة