فى مقدمة المسلسل التليفزيونى الشهير «ليالى الحلمية» يقول الشاعر الكبير سيد حجاب «أقسى همومنا يفجر السخرية» هذه السخرية من أنفسنا ومشكلاتنا تمثلت بشكل فج فى مدينة حلب السورية فمنذ يومين دعت الحكومة السورية مسلحى المعارضة فى الأجزاء الشرقية المحاصرة فى حلب إلى المشاركة فى مباراة «ودية» لكرة القدم، وجاءت الدعوة فى منشور ألقى شرقى المدينة، كما أرسلت الحكومة رسائل إلكترونية باسم المحافظة لعناصر المعارضة لحضور مباراة كرة القدم فى ملعب الحمدانية بالمدينة، وفيها «أيها المسلحون فى الأحياء الشرقية لمدينة حلب. يمكنكم المشاركة والحضور فى مباراة كرة القدم التى ستقام فى ملعب الحمدانية».
سواء كانت هذه الرسالة تعبر عن حقيقة أم أنها حرب نفسية بين الفريقين لكنها تؤكد أن حلب المدينة المنكوبة لا تهم أحدا، هى مجرد جزء من لعبة الحرب، إن لم نستطع أن نحصل عليها سندمرها وننفيها من الوجود، أما سكانها فلا أحد يعرفهم هم مجموعة من السوريين المتشابهين، لن يفقد العالم عقله أو تقل بهجته لو قتلوا جميعا.
هذا ما يؤكده المراقبون الذين يرون أن المدينة تموت الآن لدرجة أن المبعوث الأممى ستيفان دى ميستورا أكد أنها ستنتهى قبل نهاية شهر يناير المقبل، هذه المدينة التاريخية العظيمة التى كانت مركز سوريا التجارى صارت مقسمة بين سيطرة فصائل المعارضة والقوات النظامية والقوات الموالية لها منذ عام 2012.
أما سكان الأجزاء الشرقية من المدينة الذين يصلون لقرابة 275 ألف شخص فيعيشون تحت الحصار فى ظل نقص الماء والغذاء إضافة إلى انعدام الخدمات الصحية حيث أغلقت معظم المستشفيات أبوابها جراء القصف المكثف.
أصبحنا نتحدث الآن عن حلب الشرقية وحلب الغريبة، وما يحدث فى إحداهما لا يقل كارثية عما حدث فى الأخرى، وأصبح العالم يترقب فناء المدينة تماما، المصابون لا يجدون دواء والجوع يسرى بكل ثقة القاتل ليحصد أرواح الجميع، والسياسيون فى مكاتبهم المحصنة يفكرون فى مباراة كرة قدم.
ربما اللافت للنظر فى الشأن السورى كله وليس مدينة حلب فقط هو أن الجميع ينتظرون ما سيفعله ترامب وبوتين، وليس ما يفعله السوريون والعرب، والمعروف أن الدول الغربية تنهى هذه الأزمات بلا قلب بل على حساب المواطن السورى نفسه، لأن لا عاطفة تربط بين الروسيين وأهل المدن فى سوريا، والجانب الآخر الواضعين أنفسهم تحت مسمى «المقاومة» معظمهم مرتزقة لا وطن لهم، لذا سيتورط الطرفان وسوف تلقى الطائرات بنيرانها على رؤوس الأبرياء دون تفرقة، وطالما العرب خارج معادلة الحل فلن نشاهد سوى الكوارث الإنسانية فى عالمنا العربى، وستموت المدن الكبرى وتنتهى صفحاتها التاريخية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة