لا أعلم ماهى المشاعر التى أحست بها الراحلة ريم مجدى بطلة أفريقيا والجمهورية معًا للمصارعة تحت 17 سنة، عندما قررت أن تلقى بنفسها من سيارة والدها؟
لا أعلم حجم معاناتها وهى البطلة المتفوقة دراسيًا ورياضيًا، وهى تضرب وتركل وتلطم على وجهها لمجرد أنها تستقطع جزءًا من وقتها وسط ضغوط التدريبات القاسية وأسلوب والدها العنيف فى التربية لترد على صديقاتها على «فيس بوك» أو تقرأ تعليقًا أعجبها..
ريم ذات الخمسة عشرة ربيعا تنتحر رغم كل التفوق والشهرة والتميز بين أقرانها..
لن أدعى كذبًا أن والدها البطل السابق لنفس اللعبة لا يحبها أو أنه تمنى أن تموت أو حتى دفعها بقصد لكى تفتح باب السيارة، وتتخلص من عتابه وتعنيفه الذى وصل إلى حد أن لطمها على وجهها.
ماهكذا عزيزى الأب يعامل الأبطال؟
ماهكذا يكون التحفيز لمزيد من التقدم والتفوق؟
فى الدول المتقدمة إذا تأذى طفل على يد أحد والديه بضرب أوتعنيف مثلما نفعل فى أبنائنا.. يتم حرمان الوالدين منه بأخذه مؤسسات تربوية تقوم على رعايته، وربما يصل الأمر إلى أيداع أحد الأبوين السجن..
أما وفى مصر ودولنا العربية للأسف نضرب أبناءنا ضربا مبرحا ونسحق آدميتهم وربما نترك فى أجسادهم علامات قاسية ولا أحد يستطيع أن يحاسب هذا الأب أو تلك الأم إلا فى حالة واحدة وهى وفاة الضحية حتى فى حالة الوفاة لا يكون الحكم رادعًا.. مستندين إلى حديث شريف يقول «أنت ومالك لأبيك»، وكأننا ننجب أبناءنا ونعتبرهم ملكية خاصة نفعل بها ما نشاء.. لا والله ليسوا كذلك.. فهم أرواح حرة تستحق رعايتنا وحناننا..
ماحدث مع البطلة الراحلة ريم مجدى، يحدث كثيرًا مع أولاد وبنات لا نعرف عنهم شيئًا.. ربما لأن ريم شخصية معروفة رياضيًا.. وربما لأن والدها حرر محضرًا بوفاتها إثر حادث سير لتبرير موتها..
المهم هنا أن هذا الوالد أراد أن يؤدب ابنته.. فدفعها للانتحار.. أو بمعنى أدق شارك فى قتلها بدون نية.. فهذه الفتاة المميزة الرقيقة لم تكن تحتاج إلى الضرب والتجريح لكنها كانت تحتاج إلى كلمات تشجيع وشحن لطاقتها من جديد..
لا أعتقد أن هذا الأب حتى الآن شعر بما عانته ابنته الطفلة الصغيرة وهى تفعل كل ما فى وسعها لإسعاده هو بالتحديد لأنه كان مثلها بطلًا فى نفس اللعبة..
ورغم ذلك لم تجد حضنًا دافئًا يهون عليها ساعات التدريب الكثيرة والعنيفة.. لم تجد من الإنسان المثل الأعلى لها سوى القسوة والضرب والإهانة.. قابلت ريم كل هذه التصرفات غير المسؤولة من والدها بالصمت والخذلان.. والإحساس بالتقصير وفقدان الأمل..
لقد شعرت بالهوان الذى دفعها إلى الاستهانة بحياتها.. فلم يعد لديها دافع لكى تبقى حية تتنفس.. طالما لم تجد من يحنو عليها ويمسح دموعهاويجبر كسر روحها.. ويحفزها على النجاح المتواصل..
أكاد أجزم أن هذا الأب يتمنى الموت الآن ربما سينقذه من تأنيب الضمير وحرقة القلب التى سيشعر بها إذا هو ظل حيًا يرزق..
نعم ستطاردك ريم فى أحلامك.. سترى وجهها وهى تكتم غضبها.. ستندم على مافعلته بها.. وبدلًا من تشجيعها والتصفيق لإنجازاتها وتعليمها كيفية استغلال وقت فراغها بشكل صحيح..هاجمتها وسحقت طفولتها وطموحها فى كل شىء..
إلى كل أب يحمل بين ضلوعه قلبًا قاسيًا اتقوا الله فى فلذات أكبادكم.. فشهادات الميلاد لن تمنحكم شرف الأبوة.. فالأبوة قيمة وعطاء وإحساس بالأمان.