فى الفترة الأخيرة لاحظت مفاهيم مهمة راسخة فى أذهاننا جعلتنى أفكر كثيرًا للتفرقة بينهم وأريد فى هذا المقال أن أفك الاشتباك بين مفهومى حب الذات والأنانية وضرورة الفصل بينهما لأنهما فى الواقع عكس بعضهما تمامًا، فصفة حب الذات صفة بناءة تجعل من الشخص شخص أفضل قادر على تقييم ذاته، بينما تعد صفة الأنانية على المدى الطويل صفة هادمة للإنسان بل ويصل به الحال لأن يكون فى النهاية وحيدًا ولا أحد يقف بجانبه أو يستطيع التعامل معه لكونه على يقين أن هذا الشخص يتعامل معه من منطلق المصلحة أو أنه عندما تنتهى مصلحته معك فلا داعى لاستمرارك بحياته أيا كانت صفتك فنفسه هى الأهم دائمًا.
وفى الحقيقة كثير منا يفترض أن الأنانية وحب الذات وجهان لشيء واحد، بينما يعتبر الشخص الأنانى من نفسه محور اهتمامه الأول والأخير، لدرجة عدم الاكتراث بحقوق الآخرين أو مشاعرهم، ونفشل فى إدراك أن العلاقات السليمة تقام على العطاء بالإضافة إلى الأخذ، أما حب الذات فهو شيء مفيد ويبنى تقييم الإنسان لذاته، ويعنى عدم إصرارنا على الاهتمام دومًا بالآخرين وجعلهم فى المرتبة الأولى .حب الذات يدعونا إلى إيجاد توازن دقيق بين حب الآخرين فى نفس الوقت وبنفس الطريقة والقدر الذى نحب به أنفسنا وتلك غريزة فطرية مغروسة بنا جميعًا باختلاف قدرها عند كل منا.
وفى الغالب حب الأنا يكون نتيجة لمواجهة الإنسان للكثير من المعاناة فى حياته من كثرة التضحية للآخرين وعدم الحصول على مقابل أو التقدير لتلك التضحية، أى أنه كان بالأساس شخصًا محبًا للغير، معطاء ولكن لأشخاص لا يستحقون، ومن هنا يتعلم أن يقوم بالعكس تمامًا، وهو أنا يأخذ لمجرد أن يأخذ، ودون مقابل يقدمه لمن يأخذ منه، فيتعلم الأنانية من قسوة الآخرين عليه دون أن يدرى، أو يكون نتيجة للتربية الخاطئة من الأبوين للأبناء فى الصغر وعدم توعيتهم على اجتناب الاستيلاء الفردى، وكذا حرمانهم وكثرة معاقبتهم على كل صغيرة وكبيرة، وكذا عدم العدل بين الأبناء وتفضيل ابن على آخر.
وأهم مثال على ذلك أيضًا الصورة المنطبعة فى أذهان الكثيرين منا عن الأم أنها رمز التضحية والعطاء بلا مقابل، وبمجرد أن أصبح لديها طفل فليس لها الحق فى أى متنفس فهى فقط شمعة تحترق من أجل أبنائها. وبسبب هذه الصورة النمطية قد تشعر أى أم بالذنب عندما تحاول أن تخصص وقتًا لنفسها تمارس هواية أو تسعى وراء حلم أو حتى تستجم. كبرنا على أن التضحية هى دليل حب الآخر، وأن حب النفس والاهتمام بها هو الأنانية بعينها.
وهذا على الرغم من أننى لاحظت أن أكثر الأوقات التى يكون لدى فيها طاقة حب وعطاء نحو صغيرتى "حلا" عندما أكون قد نعمت ببعض الوقت لنفسى ولو كان بتناول كوب شاى بالنعناع أو أو أن أكتب مقالاً، أمدد على السرير، ألتقى بصديقاتي، أحضر تدريبًا... إلخ. وعلى العكس، عندما أكون فى دوامة الاعتناء بها والقيام بأعمال المنزل أجد أننى غير متحمسة للعب معها ومشاركتها المرح رغم أننى لابد أن أقوم بكل ذلك وأكثر ولكن دون أدنى حد من الطاقة الإيجابية لدى للقيام بذلك.
ولذلك أؤمن أن الإنسان لا يستطيع أن يحب الآخرين ويعتنى بهم دون أن يحب نفسه وليس نفسه فقط فيتحول إلى شخص أنانى دون أن يدرى، والعكس أيضًا صحيح، أى أن حب النفس وحب الناس وجهان لعملة واحدة وليسا متعارضين لا يمكن الجمع بينهما.
وقد أعجبنى وصف الكاتب "إيريك فروم" فى كتاب فن الحب تعريفه للشخص الأنانى حين عرفه بأنه "ليس مهتمًا إلا بنفسه، ولا يشعر بأى لذة فى العطاء، بل يشعر بها فى الأخذ. ولا ينظر إلى العالم الخارجى إلا من وجهة نظر ماذا يمكن أن يحصل عليه منها، إنه يفتقد الاهتمام بحاجات الآخرين، وكذلك يفتقد الاحترام لكرامتهم وتكاملهم. إنه لا يستطيع أن يرى سوى نفسه، إنه يحكم على كل فرد وكل شيء من زاوية النفع بالنسبة إليه، إنه أساسًا عاجز عن الحب".
إن الشخص الأنانى لم يحصل على احتياجه إلى الحب والتقدير والاهتمام، ومن ثَمَّ فهو لا يشعر بالأمان، ولذلك فهو يسعى إلى تأمين احتياجاته وتحقيق مصالحه بكل ما أوتى من قوة، فى محاولة منه للبحث عن الأمان الذى يفتقده. فهو عاجز عن حب الناس وحب نفسه أيضًا.
إن الشخص الأنانى دائمًا يطلب منك العديد من الخدمات، لكنه يتهرّب حينما تطلب منه المساعدة فلا تجده بجانبك. فى حين أنه من المهم أن تكون متسامحًا معه وكذلك أن تمنح صديقك أو شريكك فرصة للتغيير، ولكن من المهم أيضًا وضع حدود ولا سيما إذا كان الأمر يقلّل من شأنك.
وقد خرجت من ذلك بمجموعة من الأشياء التى اقتنعت أنها ليست أنانية بقدر ما هى تعطيك طاقة ايجابية كى تكمل حياتك بكل سعادة كأن تطلبى من زوجك أو أمك أو أحد أقاربك أن يرعى الأبناء لترتاحى أنتِ أو تخرجى أو تدرسى أو أن تسعى لتحقيق حلمك أنتِ لا حلم والديكِ أى :اهتم بنفسك كى تستطيع أن تهتم بمن حولك دون وجود أى طاقة سلبية أو إحساس بالتقصير تجاه نفسك يجعلك لا تستطيع بث مشاعر إيجابية لمن حولك.
إن الحب بشكل عام لا يكتمل دون أن توازنى بين الأخذ والعطاء، بين حبك لنفسك وحبك للناس. وينقل كتاب "فن الحب" اقتباسًا من كلام مستر إيكهارت فى هذا الموضوع "إذا أحببت نفسك فقد أحببت كل شخص آخر كما تفعل إزاء نفسك. وطالما أنك تحب شخصًا آخر أقل مما تحب نفسك، فلن تنجح حقًا فى حب نفسك، ولكن إذا أنت أحببت الجميع على السواء بما فى ذلك نفسك فسوف تحبهم كشخص واحد".
وفى الحقيقة فإن أصعب حالات الأنانية من وجهة نظرى هى الأنانية فى الحب أو العلاقات العاطفية، فمن يحب فقط لمجرد الامتلاك أو من باب الاستخسار أن جاز التعبير يسهل عليه إظهار أنانيته أمام شريكه، ومن هنا على الشريك أن يفكر جيدًا فى الأمر ومن ثم يقرر إما بقطع العلاقة فورًا مع الشريك لكن بعد مصارحته بكل ما صدر عنه من مواقف أثبتت أنانيته حتى لا يتهمه بالتخلى عنه، أو أن يختار الاستمرار معه شرط أن يعدل منه بأن يفكر مع نفسه أو يفكرا معًا فى طرق تجعل الطرف الأنانى يتخلص من أنانيته مع مرور الوقت إذا اقتنع أنه شخص أنانى بالأساس.
وهناك اختلاف بين من مر بمواقف صعبة فى حياته استوجبت معاها أن يكون أنانى فيسهل على شريكه مساعدته فى التخلص من الأنانية، عن طريق التحدث معه وإخباره بما لاحظت عليه من تصرفات توحى بالأنانية وأيضًا خططا سويًا لطرق يتخلص بها من أنانيته المكتسبة حتى تستقيم الأمور بينكما، أما من كانت أنانيته ناتجة عن حب الذات، فهذا يكون أصعب حال مما سبق، وترجع أيضًا لمقدار حبه لك فكلما زادت محبته لك وقيمتك عنده، كلما كان أسهل
وفى النهاية أود أن أقول أن العلاقات الاجتماعية أيًا كانت لابد أن نفكر دائمًا فى كيفية أن نجعلها ناجحة سعيدة سواء كانت بين الأصدقاء أو بين الأم أو الأب مع أبنائهم أو العلاقات العاطفية فأغلب الأحيان تكون بسبب أننا ننظر لأنفسنا أننا غير مخطئين وفوق مستوى الخطأ، فالحياة ليست أبيض وأسود فقط "قيم نفسك، واعترف بخطأك، تتخذ قرار سليم متزن" .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة