لم أصدق نفسى وأنا أشاهد هذا الرجل الذى يرتدى العمامة و«الجبة» دليلا على أنه شيخ يتحدث فى أمور الدين، وكان يتحدث بحرارة عن إسرائيل «الوديعة المسكينة»، ولا ينقصه سوى ذرف دموعه عليها بسبب الحرائق المشتعلة فيها منذ أيام.
الرجل الذى أتحدث عنه هو «مظهر شاهين»، والمناسبة كانت استضافته على إحدى القنوات الفضائية لمناقشة موضوع «الشماتة فى الحرائق الإسرائيلية»، وفور أن بدأ حديثه أطلق قذائفه التى ألبسها ثوبا دينيا قائلا، إن ردود الأفعال فى الشماتة «لا علاقة لها بصحيح الدين»، وأن إسرائيل ليست العدو الأول»، و«هى عدو مهادن بيننا وبينه معاهدة السلام» و«اتفاقية السلام التى بيننا وبينهم تحول بينك وبين الشماتة».
حدد «مظهر» العدو الأول لمصر فى الرئيس التركى «أردوغان» وحاكم قطر «تميم»، وبالرغم من أن كره الاثنين لمصر لا يحتاج فى إثباته إلى حجج سياسية أو دينية، لأنه واضح وضوح الشمس، إلا أن كلام «مظهر» يجهل حقائق التاريخ أو يعرفها لكنه يغفلها عمدا، فتركيا ليست «أردوغان» الذى سيأتى يوما يزول فيه عرشه، وكذلك فإن قطر ليست تميم، ونحن لسنا فى عداء مع الشعب التركى الذى لم يعط ما يقرب من نصفه ناخبيه تقريبا أصواتهم لأردوغان فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولسنا فى عداء مع الشعب القطرى الذى تجمعنا به روابط أقوى من حاكميه فى أى وقت وأى زمان.
أما إسرائيل فقصة تاريخية وجغرافية أخرى، فهى كيان قام على اغتصاب أرضا هى أرض فلسطين، واقتلاع شعبا من على هذه الأرض هو الشعب الفلسطينى وتشريده فى بلاد الدنيا، وعلى أثر ذلك تأسست إسرائيل عام 1948 بتواطؤ دولى.
تكونت إسرائيل من يهود هاجروا إليها من شتى بقاع الأرض، ونقلتهم عصابات صهيونية استخدمت كل صنوف الإرهاب ضد السكان الفلسطينيين لإجبارهم على ترك أرضهم، وهكذا أصبحنا أمام أكبر أكذوبة فى التاريخ وهى قيام دولة مكان دولة أخرى، وإحلال سكان جدد مكان السكان الأصليين غصبا، وإذا كانت وقائع السياسية وتحولاتها تغفل هذا فتجعل من الصديق عدوا والعدو صديقا فى مرحلة ما،فإن حقائق التاريخ لا يمكن شطبها.
عقد الحكام معاهدات للسلام مع إسرائيل وحتى الآن لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، ورغم ذلك يأتى من يقول: «هذه الاتفاقيات تحول بيننا وبين الشماتة فى إسرائيل»، فأى عبث هذا؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة