لا يخفى على أحدٍ إلى أى مدى ترتبط صناعة النشر فى مصر بالعملة الأجنبية، وتحديداً الدولار، وكثيراً ما تعالت صرخات الناشرين مطالبة الحكومة المصرية بسرعة التدخل من أجل إنقاذ هذه الصناعة المهمة، والتى لا تتوقف فقط على صناعة الكتاب، وبيعه فى المعارض الداخلية، والخارجية، بل تتمثل فى القيمة الأهم، ألا وهى تصدير فكر القوة الناعمة لمصر فى الخارج.
ومع قرار البنك المركزى بتحرير سعر صرف الجنيه وفقاً لآليات العرض والطلب، أمام الدولار، فإن صناعة النشر فى مصر تقف أمام مجموعة من التحديات الكبرى، التى تهدد بشكل واضح ومباشر هذه الصناعة المهمة، وتضعها على المحك، إلى أن يتم اتخاذ خطوات جادة من أجل الحفاظ على بقائها، وعدم انهيارها، مثلما تفعل الدول العربية والأجنبية التى تقدر أهمية هذه الصناعة كوجه لها أمام العالم.
ومنذ صدور قرار "تعويم الجنيه" لاحظ الجميع إلى أى مدى ارتفعت قيمة الدولار، من 8.88 جنيه مصرى إلى 15 جنيها بشكل متوسط فى البنوك، على أن يحصل عميل البنك على الدولار عن طريق تقديم المستندات التى تثبت استخدامه للعملة الصعبة فى نفس غرض طلبه للحصول على الدولار.
من هنا، كان علينا أن نبحث لنعرف ما هى التحديات والصعوبات التى تواجه صناعة النشر فى مصر، وبسؤال "اليوم السابع" لرئيس اتحاد الناشرين المصريين، عادل المصرى، فقد أوضح أنها تتمثل فى النقاط الآتية:
1- نتج عن "تعويم الجنيه المصرى" ارتفاع سعر الدولار فى البنوك، وعلى الرغم من الإقرار بتوفير العملة الصعبة للعميل فى البنك وفقاً للمستندات اللازمة، إلا أن قائمة الأولويات التى تحكم آليات توفير العملة الصعبة للعميل لا تتضمن بنودها صناعة النشر، ما يعنى صعوبة حصول الناشر على الدولار من البنوك، لتوفير خامات هذه الصناعة التى تعتمد بشكل وثيق على الخامات المستوردة، ومن هنا سيجد الناشر نفسه أما تحدى وهو عدم توفير هذه الخامات لصناعة الكتاب.
2- مع انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع الدولار ترتفع قيمة الخامات، وينتج عنها ارتفاع سعر الكتاب، وهنا سيجد القارئ نفسه أمام تحد ينتج عنه عدم شراء الكتاب، ففى العام الماضى وصل سعر طن الورق إلى 6800 جنيه، وفى هذا العام فقد بلغ سعر طن الورق 16500 جنيه، ما يعنى زيادة ثمن الكتاب مرة ونصف.
3- عدم شراء الكتب، سينتج عنه عدم حصول المؤلف على نسبته من التعاقد بينه وبين الناشر، وتعرضها للنقصان، ما يعنى أن الكاتب الذى كان يعيش على ما تدره عليه كتاباته من دخل ملزم بالبحث عن عمل آخر، وقد يدفعه ذلك لعدم الكتابة.
4- قلة بيع الكتب، سينتج عنها بالضرورة عدم قدرة دور النشر على الدفع بإصدارات جديدة فى الأسواق، وعدم قدرتها على توقيع تعاقدات مع المؤلفين.
5- وينتج عن التحدى الثالث والرابع بالضرورة قلة نسبة مشاركة كتاب مصر فى الجوائز العربية والتى يشترط فيها المشاركة بكتاب صدر بالفعل، على عكس جائزة الطيب صالح - على سبيل المثال - التى يشترط المشاركة فيها بالعمل كمخطوط.
6- مع ارتفاع قيمة الدولار ترتفع قيمة بيع الكتاب العربى فى المكتبات المصرية، فإذا كان ثمن الكتاب هو 10 دولارات فمن المتوقع ألا يقل ثمنه عن 180 أو 190 جنيهاً مصرياً، وهو ما أدى بالفعل إلى فى الأيام الماضية إلى امتناع بعض المكتبات المصرية عن بيع الكتاب العربى.
7- وفى ضوء القرار ذاته، فسوف ينتج عنه قلة أو عدم مشاركة الناشر العربى والأجنبى فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، وذلك لأنه لن يتمكن من تحويل القيمة المادية التى حصل عليها نظير حجم مبيعات إصداراته داخل المعرض إلى عملة أجنبية، لأن العملة الوحيدة التى يتم العامل بها داخل المعرض هى الجنيه، ولذلك فسوف يجد صعوبة فى تحويل قيمة ما تم بيعه إلى دولار، ناهيك عن عدم السماح بعدم الخروج من مصر بأكثر من 10 آلاف دولار "نقدًا".
8- وعلى ذكر معارض الكتب، فإنه وفقاً لذات القرار، فإن الناشر المصرى سوف يجد صعوبة فى الحصول على العملة الصعبة "الدولار" بعد تقديم المستندات التى تثبت احتياجه إليها، وهى السفر للمشاركة فى معرض عربى أو أجنبى، ناهيك أيضًا عن ارتفاع قيمة الدولار نفسها على الناشر، والتى تتمثل فى ارتفاع سعر المتر فى الجناح والذى يصل بشكل متوسط فى أغلب المعارض إلى 150 دولارا، بالإضافة إلى ارتفاع سعر تذكرة الطيران، وارتفاع شركات الشحن الملاحية التى لا تتعامل إلا بالدولار.
9- ووفقاً للتحدى الثامن، فإن ما يليه، هو التحدى الأصعب الذى يجد الناشر المصرى نفسه فى مواجهته، وهو تحديد سعر الكتاب المصرى فى المعارض العربية والأجنبية، ووفقاً لما تحمله الناشر من أجل المشاركة فى هذه المعارض، فمن البديهى أنه سيقوم برفع ثمن الكتاب من أجل تعويض ما تكبده نظير المشاركة فى المعارض، وهنا سيجد القارئ العربى أو الأجنبى أن الكتاب المصرى فى ارتفاع متزايد، فلا يقبل عليه.
10- بعد القارئ العربى عن الكتاب المصرى، سوف ينتج عنه خروجه من المنافسة، والتى كان يتصدرها نظراً لأنه دائماً ما كان يتميز الكتاب المصرى بانخفاض سعره.
11- خروج الكتاب المصرى من المنافسة فى المعارض العربية، لا يعنى إلا نتيجة واحدة، وهى عدم تصدير القوة الناعمة لمصر، التى كانت تصل من خلال الكتاب إلى الدول العربية، وهنا سوف يبحث القارئ عن ثقافة بديلة عن الثقافة المصرية.
12- توقف دعم القراءة، نتيجة لتوقف مشروع مكتبة الأسرة، والذى بلغت ميزانيته من 50 مليون جنيه، إلى 7 ملايين جنيه، ثم أصبحت صفراً هذا العام.
13- ازدهار حركة تزوير الكتاب، فى ظل عدم مواجهة الدولة لها، واستمرار هذا النزيف المتمثل فى تصوير الكتب وبيعها فإن الفائدة لا تعود إلا على المزور، الذى لا يدفع للدولة أى ضرائب على أقل تقدير.
14- مع كل ما سبق، فإن وزارة التربية والتعليم، لم تشتر كتاباً من الناشرين إلا هذا العام بعد انقطاع دام لست سنوات، وقدرت حجم المبيعات بـ250 ألف جنيه فقط، على الرغم من أن كل طالب مصرى يقوم بدفع ما قيمته جنيهان ونصف الجنيه، من أجل خدمات المكتبات، وكان قطاع النشر يحصل على نسبة تقدر بـ15 مليون جنيه من إجمالى 30 مليون يتم تحصليها من 18 مليون طالب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة