لم تعد تونس تلك التجربة الديمقراطية الواعدة التى تهافتت الدول الغربية والمنظمات الدولية على الإشادة بها، والمطالبة بها نموذجًا مقترحًا للتعميم فى تداول السلطة، فما بين إقالة وزير فى حكومة يوسف الشاهد، بسبب انتقاده لـ"الوهابية"، وما بين الأزمات الاقتصادية المتتالية التى تلاحق الحكومة، لم يكن غريبًا أن تخرج صحيفة "الشروق" التونسية، لتكشف أن الرئيس الأسبق زين العابدين بن على فى طريقه للعودة إلى البلاد، بعد تسوية ما أسمته بـ"الملفات العالقة".
وبعد الإشادات التى نالتها تونس فى أعقاب طى صفحة حكم الإخوان، فوجئت القوى الليبرالية والمراقبون، بإقدام رئيس الوزراء يوسف الشاهد على إقالة وزير الشئون الدينية عبد الجليل بن سالم، بسبب تصريحات تناول فيها "التشدد" وانتقد فيها "الوهابية"، وجاء نص قرار الحكومة بـ"إعفاء بن سالم من مهامه، وذلك لعدم احترامه ضوابط العمل الحكومى وتصريحاته التى مست مبادئ وثوابت الدبلوماسية التونسية".
وجاء القرار بعد أن قال الوزير المقال، فى جلسة استماع للجنة الحقوق والحريات فى البرلمان التونسى، أمس الأول الخميس : "الوهابية هى سبب ما يشهده العالم الإسلامى من تشدد"، الأمر الذى علق عليه مدير ديوان الرئيس الباجى قائد السبسى، بقوله : "وزير الشئون الدينية ارتكب هفوة كبيرة بتعبيره عن موقفه الشخصى".
ولم يكن غريبًا أن تقدم القوى الإسلامية داخل البرلمان التونسى على الترحيب بقرار الإقالة، إذ قال رئيس كتلة النهضة نور الدين البحيرى، إن هذا القرار متوقع فكل مسئول يجب أن يدرك أن العلاقات مع الجزائر والسعودية وليبيا هى مسألة أمن قومى".
وبعد 4 أشهر من نيل حكومته الثقة، لا يزال رئيس الوزراء الشاب يوسف الشاهد ، عاجزًا عن إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية المتتالية التى تلاحق بلاده، إذ عقد قبل يومين مفاوضات مع الأحزاب فى محاولة لإقناعها بتمرير مشروع قانون موازنة التقشف.
وكان مجلس الوزراء صادق قبل أسبوعين على مشروع قانون الموازنة للعام 2017 والذى تضمن فرض ضرائب جديدة على الشركات والمحامين والأطباء وأصحاب المهن الحرة، إضافة إلى تأجيل صرف زيادات رواتب الموظفين ورفع أسعار الكهرباء، ما خلق أزمة اجتماعية أمام الحكومة التى تولت مهمتها قبل شهرين.
ويتوقع أن تنطلق مناقشة مشروع الموازنة فى 18 الشهر الجارى، وسط مساعي من الحكومة لإيجاد توافقات مع الرافضين للموازنة بصيغتها الحالية، خصوصاً الاتحاد العام التونسى للشغل الذى هدد بالإضراب العام فى حال أقر البرلمان تأجيل صرف الزيادات فى مرتبات موظفى القطاع العام.
وساهمت إضرابات قطاع الفوسفات وتراجع إيرادات السياحة، فى خفض توقعات النمو لهذا العام لتبلغ 1.5 % على أقصى تقدير، كما تفيد بيانات رسمية تونسية، ويتوقع أن يرتفع العجز فى الموازنة إلى 6.9 مليار دينار مما يدفع البلاد إلى مزيد الاقتراض من المؤسسات الدولية المانحة.
وأكد خبراء اقتصاد تونسيون أن الاقتصاد التونسى لم يسجل نسبة نموّ تؤكد أنه بدأ فعلاً مرحلة التعافى، من فترة الركود التى يعيشها منذ سنوات، وخاصة بعد ثورة 2011. وأوضحوا أنه برغم بروز متغيرات إيجابية لهبوط أسعار البترول على المستوى العالمى وأسعار بعض المواد الأولية وانتعاش القطاع الفلاحى، وخاصة زيت الزيتون والتمور، فإنّ نسبة النموّ كانت ضعيفة جدا، وهى بالتالى غير قادرة على توفير فرص عمل للعاطلين الذين بلغ عددهم مع نهاية العام الماضى نحو 600 ألف منهم 200 ألف من حاملى الشهادات العليا.
ووفق أرقام صادرة عن المعهد الوطنى للإحصاء فى تونس، شهدت نسبة البطالة ارتفاعًا فى السنوات الخمس الماضية، من 13٪ خلال عام 2011، إلى 15٪ حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضى.
وأمام التحديات الاقتصادية، فضلاً عن التراجع الواضح فى ملف الحريات، وإقدام رئيس الوزراء على إقالة وزير بسبب تصريح عن "الوهابية"، لم يكن غريباً أن تنشر صحيفة "الشروق" تقريراً عن مصادر وصفتها بالـ"مقربة" من الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على، مشيرة إلى أن ملف عودته إلى تونس مطروح وأن هذه العودة من المرجح جدا أن تحدث خلال الفترة ما بين شهرى يناير وسبتمبر 2017 .
وذكرت الصحيفة أن عدة أطراف تتدخل لإيجاد صيغة لتسوية الملفات العالقة وإزالة عقبات عودة بن على إلى تونس لا سيما وأنه واصل التزامه الذى قطعه مع السلطات السعودية بالابتعاد عن أى نشاط سياسى أو ظهور إعلامى طيلة حوالى 6 أعوام، كما أنه تقدم فى العمر ولم يعد له أى اهتمام يذكر حسب مقربين منه سوى بأفراد عائلته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة