مهما كان الاستقطاب والجدل الذى يبدو عقيماً، لا يخلو الأمر من ميزات كثيرة أتاحتها أدوات التواصل، فلم تعد الساحة حكرا على أقلية من الصارخين الشتامين المتعاركين، هناك أطراف مختلفة لم تعد تكتفى بتلقى الإفيهات والتنظير على أنها مسلمات، وأصبح بمقدور أى شخص أن يسارع ليعرف مدى صحة أو خطأ ما يتم تداوله، ولا يمكن تقييم الحاضر بناء على تجارب الماضى.
خلال السنوات الماضية بعد 25 يناير هناك قطاع ممن لمعوا فى ضجيج الزحام، اعتادوا ادعاء «العلام» فى كل الأمور والتخصصات، يزعج الواحد منهم أنه ممنوع من التعبير، فى مقالات يكتبها فى الصحف السيارة ومواقع التواصل بالداخل والخارج. غير قادرين على تغيير النغمات المملة من محفوظات وأحفوريات التغيير والسياسة فى العالم.
المشكلة أن نجوم الضجة السياسية لم ينتبهوا إلى أنهم فقدوا القدرة السابقة على صناعة ضجيج فارغ، ولم يعد بعضهم قادرا على إخفاء الجهل بأبسط معلومات الاقتصاد والسياسة، والتجمد عند التعبيرات الخشبية، وترديد كلام عن تجارب ونظريات مع الرهان على أن أحد لا يسأل ولا يدرك، بينما أدوات التواصل مفتوحة للجميع لمن يفكر ومن يصرخ ومن يشتم ومن يصفق أو حتى يرقص.
العالم أصبح مفتوحا والسياسة بكل تعقيداتها وصراعاتها أضحت واضحة، ولم يعد هناك قداسة لسلطة أو لمعارضة، خاصة هؤلاء الذين حصلوا على سلطات افتراضية أكبر من حجمهم، لكن من يلجأون للشتائم أو الضجة والكلام فى أى شىء، يجدون أنفسهم عرضة لسلوكيات عدائية، مثل التى يمارسونها، أو يفقدون احترامهم، وتفقد أدواتهم تأثيراتها.
نحن فى عصر السماوات والرؤوس المفتوحة، التى تنتج معارف، وتنتج شخصيات وزعامات فارغة، ولم يعد القرب أو البعد عن السلطة هو وحده الفيصل، ولا حتى ترديد مصطلحات سياسية واقتصادية كثيرة، لم يعد كافيا لصنع شخص محترم.
لقد مرت سنوات سابقة احتل فيها بعض الأنصاف مكانة أكبر من أحجامهم وقدراتهم، وربما على بعض من يدعون أن لديهم وجهات نظر فى قضايا السياسة والاقتصاد، ومن تعجبهم صورتهم فى «اللايكات» أو يراجعون تحليلات وتوقعات سابقة، أو حالية ليعرفوا مدى صحة تنظيراتهم السابقة، ويمكن أن يكتشفوا ما إذا كانت هذه التنظيرات صحيحة أو خاطئة، لكنهم لا يفعلون، وبالتالى يقعون ضحايا الوهم، أو يرفضون مراجعة أفكارهم خوفا على صورتهم وعدد اللايكات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة