هو مؤشر واقعى، الزمن وحده هو الذى أثبته وجعله يقينا، قولا واحدا الدولة هى حاصل جمع نجاحات أبنائها لكننا للأسف نتغاضى عنه دائما، ونظن أن قتل موهبة فرد أو وإنكار إنجاز إنسان أو تحطيم حلم شاب أمرا عاديا أو حالة فردية وهى فى الحقيقة غير ذلك.
من قتل موهبة فرد فكأنما حكم على الوطن كله بالتيبس، ومن أنكر إنجاز إنسان فكأنما أنكر على الشمس ظهورها وبث نورها، ومن حطم حلم إنسان فكأنما حطم المستقبل كله، فنحن بهذه الأعمال نرسخ عادة الإفقار فى مصر، نزرع اليأس فى العيون، وننزع الشغف من الوجدان، نحرم المجتهد من نشوة النصر، فتصير الهزيمة عنوانا كبيرا يغلف حياتنا حتى وإن كنا منتصرين، لا أعرف متى ستعرف الدولة أنها حاصل جمع نجاحات أبنائها، وأنها حينما تسمح للذئاب بنهش أحلام الناس والتقليل من إنجازاتهم تقدم نفسها باعتبارها راعية التوحش الأولى، ومن هنا يصبح التساؤل: لماذا أصبحنا نعيش فى غابة؟ سؤالا فى غير محله.
هنا أيضا يصبح التساؤل لماذا صمتت الدولة بكل مؤسساتها على إهانة نجيب محفوظ سؤالا فى غير محله، فما هذا الصمت سوى حلقة صغيرة فى سلسلة إهدار الدولة لرموزها وتبديدها لقوتها وإضعافها لنفسها وإفقارها لروحها، هذا الصمت الذى أكد أن أى شىء مثل أى شىء، سيان، أن تنجح وتجتهد وتصل إلى أسمى المراتب أو تتوحش وميل للعنف وتهدم وتصل إلى أحقر الدرجات، سيان أن تبنى أو أن تهدم، أن تنير أو أن تظلم، ذات مرة قيل لجمال عبدالناصر: «إحنا لازم نحبس نجيب محفوظ» فرد ناصر «وإحنا عندنا كام نجيب محفوظ» فى زمن كان فيه عشرات الأسماء التى تتوازى مع نجيب محفوظ، لكننا، للأسف، نسمح بإهانة نجيب محفوظ فى وقت لا نملك فيه شيئا يذكر.
لا تحسب أننى هنا أحاول أن أدين الدولة حينما صممت على إهانة أكبر رموز مصر وأعلاهم شأنا، فهذا أمر طبيعى فى حالة الغفلة التى نعيشها، وفى الحقيقة فإننى أرى أن عدم مطالبة البرلمان بتقديم اعتذار عن تلك الإساءة أمرا مريرا يدل على فقدان الأمل فى آليات التعاطى المحترم بين مكونات الدولة، وبالتالى تصبح الإساءة والبلطجة والتدنى لغة رسمية بين الجميع، ولا يجب هنا أن نتعجب من أن الدولة تتآكل، لأنها صارت «حاصل طرح» وليس «حاصل جميع».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة