"باب المثقفين مخلع" .. ربما تصلح هذه العبارة لوصف ما حدث على مدار أيام فعاليات الدورة الرابعة، من عمر ملتقى القاهرة الدولى للشعر العربى، والذى انطلقت فعالياته فى الفترة من السابع والعشرين وحتى الثلاثين من نوفمبر الماضى، فى المجلس الأعلى للثقافة، بتنظيم من لجنة الشعر ومقررها الدكتور محمد عبد المطلب.
ما يجعل هذه العبارة صالحة لوصف ما شهده العديد من الشعراء والنقاد المصريين والعرب، والإعلاميين أيضًا، هو المواقف المتناقضة لما ينادى به جميع المثقفين والمبدعين فى كافة المجالات، وهو حرية الرأى والتعبير، ومقارعة الحجة بالحجة، لكن أن نكون فى ملتقى للشعر، يتمسك فيه مقرره بموقفه، أو أحد مديرى الجلسات النقدية أو الأمسيات الشعرية بالرفض المستمر لعدم الحديث عما هو متعلق فى الأساس بـ"الشعر" فنحن أمام مأزق يحتاج إلى مراجعة ومحاولة لفهم ما يحدث.
أول التساؤلات التى تطرح نفسها علينا فى ظل هذه المواقف التى تبرز الديكتاتورية التى مارسها مقرر الملتقى الدكتور محمد عبد المطلب، أو أعضاء لجنة الشعر، المنظمة للملتقى، أو أحد مديرى الأمسيات الشعرية هو: هل الهدف من الملتقى هو سماع المتحدثين فى الجلسات النقدية، أو الشعراء فى الأمسيات الشعرية، دون عرض أى رؤية تتعلق بـ"الشعر" أو بالملتقى نفسه من خلال المتحدثين أنفسهم؟ أم ماذا؟، هل جاء الشعراء والنقاد إلى هذا الملتقى لقراءة أبحاثهم وقصائدهم "وشكراً"؟.
أول هذه المواقف التى تبركز ديكتاتورية الدكتور محمد عبد المطلب، على وجه الخصوص، جاءت فى حفل افتتاح الملتقى فى المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية، وحديثه عن رواج الرواية العربية، ووصفه لها بـ"الأكاذيب" وبـ"صناعة الناشرين المزيفة"، ولكن حينما توجه "اليوم السابع" لسؤال الناقد الكبير عن آخر دراسة أو إحصائية قرأها حول رواج الرواية العربية، اكتشفنا أنها كانت منذ ثلاث سنوات، ولم يذكر لنا حتى اسم آخر رواية قرأها، بل أصر على أن هذه العملية الترويجية للروايات التى تحظى بالعديد من الطبعات هى روايات متمردة، تتمرد على الدين والأخلاق والوطن وتتضمن ألفاظًا بذيئة، ولهذا تحظى بالترويج.
أما الموقف الثانى، فبرز خلال إحدى الأمسيات الشعرية، حينما تحدث الشاعر الكبير محمد أبو دومة، عن شعوره بالاغتراب خلال تواجده فى لجنة الشعر، وعدم معرفته بما يدور فيها، متسائلاً عن عدم ترشيحه لجائزة الملتقى، وهى اللحظة التى يتحدث عنها جميع الحضور بداية من انطلاق الفعاليات، بل ومن قبلها، وعلى الرغم من أحقيته عرض رؤيته ومشكلته إلا أنه تمت مقاطعة محمد أبو دومة أكثر من مرة بداية من الشاعر والناقد شعبان يوسف، الذى طالبه بالالتزام بما هو مخصص لهذه الجلسة، وهو قراءة الشعر فقط، وعلى الرغم من أن شعبان يوسف أراد ألا يضيع وقت الشعراء المشاركين فى الجلسة من خلال الخوض فى مشكلات تتعلق بالملتقى، مثل وجهة نظره فى جعل الملتقى قاصراً على شعر الفصحى فقط، وعلى الرغم أيضًا من عدم حضور بعض الشعراء فى هذه الأمسية نظراً لاعتذارهم، إلا أن الدكتور محمد عبد المطلب قام بمغادرة القاعة وعاد إليها بعدما انتهى محمد أبو دومة من الحديث عن مشكلته، والتى قاطعها خلالها أيضًا الشاعر الدكتور حسن طلب.
الموقف الثالث، يتمثل أيضًا فى تمسك الدكتور محمد عبد المطلب برؤيته لمن هم من شباب الشعراء والنقاد المشاركين فى ملتقى القاهرة الدولى للشعر العربى، وهذه الرؤية تتمثل فى نظرته لمن هم تلامذته – كما يقول دائماً – مثل الدكتور هيثم الحاج على، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، والقائم بأعمال أمانة المجلس الأعلى للثقافة، والدكتور شوكت المصرى، عضو اللجنة التنظيمية للملتقى، ولكن بسؤاله عن شباب الشعراء ممن لا يعرفهم، فيرى الناقد الكبير أن الشباب مندفعون وبحاجة إلى من هو أكثر خبرة ليأخذ بيدهم، علماً بأن هناك العديد من شباب الشعراء والنقاد ممن لهم إسهامات وإنجازات على مستوى الجوائز المصرية والعربية.
أما الموقف الرابع، فقد حدث فى المائدة المستديرة فى ختام الملتقى حينما أرادت الشاعرة غادة نبيل الحديث، وكان محور الجلسة "الشعر والمستقبل"، وحينما بدأت حديثها وأشارت إلى ما يحدث حولنا ويهدد الإبداع والحرية فى مصر، من قرارات حدثت فى البرلمان، وعدم تطرق الملتقى لها، وعدم حديث الملتقى عن حبس الكتاب، مثل أحمد ناجى، بدأ الدكتور محمد عبد المطلب مسلسل مقاطعة غادة نبيل، ومحاولته لمصادرة حقها فى الحديث.
أما الموقف الخامس، وهو أمر مثير للجدل، وذلك حينما قال الدكتور محمد عبد المطلب، خلال المائدة المستديرة، أنه حينما يسمع الشعر النبطى، لا يفهم منه شيئاً، وحينما يسمع إلى شعراء صعيد مصر، يفهم بعضه، ليضيف: فلماذا لا تكون هناك لغة واحدة للشعر يكتب بها، ليكون مفهوماً للجميع؟، وهنا يمكننا أن نلمح إلى أى مدى يتمسك الناقد الكبير برفضه للشعر غير الفصيح، لا العامية المصرية يقبلها، ويجعلها ضمن محاور الملتقى، ولا لهجات الشعوب العربية الأخرى مثل الشعر النبطى فى دول الخليج العربى.
ويتمثل الموقف السادس، فى حفل الختام، حينما أصر الدكتور محمد عبد المطلب على رؤيته بأن الملتقى نجح نجاحاً باهرًا، وأن نسبة المعتذرين سواءً عن الجلسات النقدية أو الأمسيات الشعرية لم تؤثر على الإطلاق، وأن نسبة الشباب المشاركين فى الملتقى بلغت 40 شاباً من الشعراء والنقاد - وهى اللحظة التى التفت فيها أغلب الحاضرين فى مسرح الهناجر – من 65 مشاركًا مصرياً وعربياً!!.
أما الموقف السابع، فقد برز خلال إعلان أسماء لجنة تحكيم جائزة الملتقى، والتى بدا أنها لم تشهد أية دماء جديدة بخلاف مشاركة اثنين من الضيوف العرب، ومع التقدير الكامل لحصول الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة على الجائزة، حيث تكونت: من الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، الدكتور أحمد درويش، الدكتور حسين حمودة، الدكتور عبد الناصر حسن، الدكتور عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، والدكتور محمد شاهين من "عمان"، والدكتور محمد عبد المطلب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة