كان يستفزنى جدا أحد المحامين الضعاف، الذى شكل جمعية للدفاع عن استقلال القضاء قبل 25 يناير، وعين نفسه وليا على شؤون القضاة، وانتقدته بشدة عدة مرات، لأنه يدس أنفه فيما لا يعنيه، وكنت أسأله دائما: «انت محامى، مالك ومال القضاة»، وعلى شاكلته كانت مصر سباقة فى تعاطى هذه الجمعيات، التى ظلت تتسرب وتتسلل وتتغلغل وتنتشر، دون إدراك لمخاطر الأدوار التى تقوم بها.
كان السكوت على هذه الأخطاء هو البوابة الواسعة التى عبرت منها عشرات الجمعيات الحقوقية، إلى قلب المجتمع المصرى، وظلت تؤجج النار حتى أصبحت حريقا كبيرا، وقوده تقارير مسمومة، فى قضايا لا تهم المانحين الأجانب من قريب أو بعيد، ولكنها تؤهل البلاد لمرحلة الفوضى، التى تم اكتشافها بعد استشراء الداء، وباسم الديمقراطية وحقوق الإنسان رقصوا فوق جثة الوطن.
لو سألت نفسك سؤلا بسيطا: لماذا تدفع أمريكا الأموال الطائلة لجمعيات حقوق الإنسان؟ المؤكد أن الإجابة ليست لأن أمريكا، التى تغتال بحذائها وعتادها حقوق الإنسان، مهمومة إلى هذه الدرجة برفع مستوى حقوق الإنسان المصرى، ولا لأن هذه الجمعيات تعبر عن حبها لوطنها بالدولار واليورو، والإجابة الصحيحة هى أن الحكاية كانت مثل أوبريت «على بابا والأربعين حرامى» و«افتح يا سمسم»، «دهب، يا قوت، مرجان، أحمدك يا رب».
بأى أمارة تحصل ناشطة جرى معها التحقيق مؤخرا، على 52 مليون جنيه شيكات ساخنة، تدفقت فى حساباتها البنكية، ومثلها عشرات من الذين فهموا اللعبة مبكرا، ومدوا حبال الود والصداقة مع أمريكا، فأغدقت عليهم الأموال، وتحولوا إلى أثرياء حقوق الإنسان، وفعلوا ما طُلب منهم طمعا فى المزيد، وظلت البالونة تنتفخ وتنتفخ، حتى انفجرت شظاياها فى وجه الوطن.
لم يكن فارقا مع أصحاب جمعيات حقوق الإنسان أن يتحالفوا مع الإخوان، رغم أن غالبيتهم ناصريون ويساريون، وتناسوا العداء التاريخى بين عبدالناصر والإخوان، وانحنوا لدخول خيمة المرشد، مدافعين عن أفكار ومعتقدات كانوا مناهضين لها، وامتطوا صهوة برامج الفضائيات والتوك شو، بحثا عن مزيد من البريق واللمعان والإضواء، وكانت أسهم الناشط ترتفع فى بورصة التمويل، بعدد الدقائق والساعات التى يظهر فيها فى الفضائيات.
حقوق الإنسان ليست دجاجة تبيض ذهبا فى عشش حقوق الإنسان، ولا أن يكون أصحابها هم المدافعين عن شيطان يضمر شرا لبلادهم، انكشف الغطاء وظهرت الوجوه، وكفى عبثا.