"المنطقة تتبدل كل يوم، وتتحول، الناس انقطعت عن التزاور، كفوا عن إرسال أطباق المهلبية وعاشورا فى المناسبات والمواسم، حل محلها رسائل إس إم إس فى الأعياد، زفرت فى حنق، وأنا أقول هذه العبارة بصوت عال"، استطاعت رواية "إيقاع" أن تمنح الروائى والكاتب الصحفى وجدى الكومى جائزة الفكر العربى فرع الأدب، وهى صادرة عن دار الشروق 2015، وقد تناولها عددا من الكتاب والنقاد بالقراءة والتحليل نشرت فى صحف ومواقع إخبارية.
صلاح فضل
كتب صلاح فضل عن الرواية تحت عنوان (حوارية وجدى الكومى فى إيقاع) الرواية تجربة فائقة ومثيرة للكاتب الشاب "وجدى الكومى" توفر عليها بعد إنجازه لعدة أعمال روائية وقصصية لافتة، يقدم فيها ثمانى شخصيات يروى كل منها مواجدة وأحوال عالمه المتشابك مع الآخرين خلال السنوات الأخيرة فى القاهرة، بل فى منطقة واحدة فيها هى بين السرايات والدقى، التى ظفرت بحفريات المؤلف الطوبوغرافية والإنسانية، أما الشخصيات التى عمرت هذا المكان فهى شديدة التناقض والتجاذب.
ويضيف صلاح فضل، شخصيات الرواية، نماذج ترتطم ببعضها بالصدفة غالباً، تتراءى وتتوارى، تهدف وتكشف، تعيش حيواتها المتناقضة وأحلامها المتصارعة لتجتر شهواتها وعداواتها دون حب أو تعاطف، وهى ذكورية فى معظمها لا تتخللها سوى امرأة واحدة هى شفق إبراهيم.
ويرى صلاح فضل أن وجدى الكومى مولع بمكان محدد هو بين السرايات، كشف جانباً من أسراره فى روايته السابقة "خندق العذراوات" وأهدى روايته الحالية إلى "الخواجة رالف: لما له من فضل فى كشف أسرار عزبة الوقف"، لكن الواقع أن هذه الأسرار تضمر شيئاً آخر يتصل بتاريخ أسرة محمد على، والمؤلف يشكر فى النهاية عالم الآثار الألمانى "رالف بودنيشتاين" لعونه له فى العثور على الخرائط الحقيقية، وقد جعله شخصية راوية شاركت فى الأحداث خلال عمله أستاذاً زائراً فى كلية الآثار بالقاهرة وأسماه "شاندور.
وتتكشف أحداث الرواية عبر تناوب شخوصها الثمانية على السرد بطريقة ماهرة يلتقط كل منهم الخيط دون تكرار لما قصه السابق بما يجعل الزمن يتقدم والمواقف تتعقد تلقائياً بعد مسرحة الأحداث فى موقعها المقابل لحدائق الأميرة فاطمة، التى أصبحت جامعة القاهرة، وأقيم مصنع الكحوليات مكان سرايا الأمير حسن، وشيدت كلية الفنون التطبيقية على أنقاض سرايا الأمير حسين، ويتتبع الكاتب تسلسل هذه المواقع ليضفى على سرديته طابعاً تاريخياً موثقاً يلتقى مع توثيق الفترة المعاصرة بشخوصها وأحداثها، حيث شهدت المنطقة اعتصام ميدان النهضة وفضه الدامى.
وكتب محمد فراج النابى تحت عنوان (إيقاع رواية عن مهمشى الثورة المنسيين) يقول: الكاتب الشّاب وجدى الكومى يواصل حفرياته لقراءة ما وراء الظواهر الجديدة التى استشرت فى مجتمعنا، كما فعل من قبل فى روايته "خنادق العذراوات"، حيث قدّم توليفة سردية عن منطقة "بين السّرايات" مزج فيها بين واقعية القاع فى سوداويته والتاريخى فى مفارقاته وإدهاشاته، متنقلا بين عالم الهامش كشاهد على فداحة الواقع وقسوته، وتزييف التاريخ وانتكاساته، ورأى أن وجدى الكومى يفتح عبر وعى سردى الملفات الشائكة ليظهر لنا لعبة الدين والسياسة. ورأى أن وجدى الكومى يفتح عبر وعى سردى الملفات الشائكة ليظهر لنا لعبة الدين والسياسة.
وكتبت إيمان عادل تحت عنوان "وجدى الكومى: "إيقاع" مجتمع مهمّش بأكمله" تقول "تمثّل رواية وجدى الكومى (1980) الأخيرة "إيقاع"، الصادرة عن "دار الشروق" مدخلاً إلى واقع معيشى مهمّش فى مصر، وهو عالم بين السرايات وشريحة المنتمين إلى أجواء "موسيقى المهرجانات"، تلك الموسيقى الشعبية التى ظهرت فى السنين الأخيرة وقبلها المصريّون، حيث تجمع بين الفن الشعبى المصرى والـ"بوب ميوزك" الأمريكية.
لكن الرواية لا تقف هنا، إذ تجلب النقاش إلى دائرة نمط الكتابة، وكيف لها أن تنطلق من واقع ظواهر اجتماعية، ثم تحيل إلى إعادة النظر فيها وفى رؤية هذا الواقع كلّه. ربما هذا ما يجعل الكومى غير عابئ بالصراع حول الواقعية / الكلاسيكية، بل والنظريات الأدبية برمتها، فهو يعمل "على اللغة فى المقام الأول".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة