الذين تندروا على كلمة الرئيس لم يسألوا أنفسهم أو لم يكن «أيمن الظواهرى» من الأطباء المتعلمين النابغين فى زمن «التعليم الجميل» ومع ذلك صار أكبر إرهابيى العالم؟
إن كنت من متابعى ما أكتبه، فربما تكون على علم تام بمواقفى وآرائى التى تبتعد تمام البعد عن أية شبهة من شبهات التبرير أو «تطبيل» أو الممالأة، لكنى فى ذات الوقت أؤمن تمام الإيمان بأن المعارضة أو الاختلاف ليست هدفًا فى حد ذاته، وليست أيضًا معارضة على الهوية وهو أمر لا يستحسنه المتعصبون، لكن يستحسنه قلبى وعقلى، ويستحسنه قبل أى شىء «ضميرى الوطنى» الذى يعرف ما هى ثوابت الوطن التى لا يجوز الخلاف حولها، كما يعرف تحديات الوطن ويقدرها. تلك مقدمة ضرورية لما سيأتى لأننى هنا «أدافع» بكل ما تعنيه الكلمة من معان عن الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى أرى أنه يتعرض للكثير من الظلم والكثير من تعمد إساءة الفهم فى العديد من المرات، ولعل آخر هذه المرات هو ما تعرض له الرئيس إبان المؤتمر الشهرى الأول للشباب الذى عقد يوم السبت الماضى، فقد كنت حاضرًا لهذا المؤتمر استجابة لدعوة كريمة من رئاسة الجمهورية، ولم أكن لأتخلف عن هذه الدعوة لإيمانى بأهمية الحوار، وبتعاظم التحديات التى يجب أن نواجهها جميعًا، وفى القاعة نزلت كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسى، تعليقًا على ندوة «التعليم» بردًا وسلامًا على قلبى، ولو لم أكن قد سلمت هاتفى إلى أمن الرئاسة قبل دخولى القاعة لسارعت بالكتابة على صفحات التواصل الاجتماعى، مؤكدًا أن هذه الكلمة من أروع الكلمات التى أدلى بها «السيسى» منذ توليه الرئاسة، لكنى بعد خروجى من القاعة ومطالعتى لما يدور فى صفحات «فيس بوك»، فوجئت بمدى الوضاعة الواضحة فى تأويل كلمة السيسى، حيث ترك الجميع ما قاله الرئيس كاشفًا عن وعى حقيقى بأزمة التعليم فى مصر، وتندروا على كلمة الرئيس المقتطعة من سياقها، والتى قال فيها «وإيه يعمل التعليم فى وطن ضايع» معتبرين هذه الكلمة دليل على عدم الفهم فى حين أنها تؤكد على خبث نواياهم أو فقر وعيهم ليس إلا.
نعم قال الرئيس «إيه يعمل التعليم فى وطن ضايع» لكنه عقب: وطن لا يحترم فيه الآخر ولا يقدس العمل، ولا يقدر مسؤولياته ولا يضبط بوصلته على المصلحة الوطنية العليا، وقد جاءت هذه الكلمة بعد تأكيد لأهمية التعليم «الشامل» الذى يعيد صياغة الشخصية المصرية معالجًا ما أصابها من شرور وما لحق بها من تشويه، فقد أكد الرئيس خلال كلمته، أنه يريد من التعليم أن يسهم فى تشكيل الشخصية المصرية، وأن ينمى الإنسان أولًا، لا أن يزيد المعلومات فحسب، وضرب مثلًا بأخلاقيات بعض التلاميذ التى رآها فى إحدى الدول التى زارها والتى لم يسمها وإن كنت أعتقد أنها «اليابان» وفى الكلمة أبدى إعجابه الشديد بأخلاق الطالب «اليابانى» التى تجعله منصاعًا للنظام المعمول به فى المدرسة منكبًا على التعلم بكل جوارحه لدرجة عدم الاهتمام بالضيف الكبير الذى حل على مدرسة، قائلا «لا حد جرى عليا ولا حد قالى والنبى واحدة سيلفى»، ولهذا قال «إيه يعمل التعليم فى وطن ضايع» قاصدًا أنه التعليم لا يعنى إضافة معلومة أو بناء كوادر علمية فحسب، وإنما يعنى بناء الإنسان، وتلك غاية يتفق عليها كل المثقفين والعلماء، فلماذا نلوم عليها «الرئيس»؟ ثم لماذا لم نسأل أنفسنا: أولم يكن أيمن الظواهرى من الأطباء المتعلمين النابغين فى زمن «التعليم الجميل» ومع ذلك صار أكبر إرهابيى العالم؟ أولم يكن مرسى وبديع وحازم فاروق من أساتذة الجامعات ومع ذلك قتلوا وأجرموا وشردوا وعذبوا؟ فماذا فعل التعليم فى العقول الخربة؟ وماذا فعل التعليم فى القلوب الصدئة؟ وماذا فهل تعليم هؤلاء بالشكل الذى انتقده الرئيس غير تضييع الوطن؟ ثم أليس هذا الاقتطاع المخجل لكلمة الرئيس من سياقها بلا أمانة فى النقل أو نزاهة فى الطرح من قبل بعض المثقفين تؤكد مقولته: إيه يعمل التعليم فى وطن ضايع؟