أخطر ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى جلسة مؤتمر الشباب الشهرى، السبت الماضى، حديثه عن أهمية صياغة الشخصية المصرية، فهناك من يعد هذا الأمر نوعا من الترف الزائد، لكن المدقق فى الأمر سيجد أنها لب القضية، فلا تقدم ولا نهضة إلا من خلال إعادة صياغة الشخصية المصرية من جديد، حتى نعيد القيم والأخلاق مرة أخرى لتكون هى الأساس فى المجتمع.
الرئيس تحدث عما رآه فى مدارس دولة آسيوية زارها، وأعتقد أنها اليابان، ومجمل ما تحدث عنه أن الأساس فى هذه الدولة هو تربية الأطفال على الأخلاق واحترام الآخر والقيادة، وتعليمهم أن يكون لكل منهم دور فى المشاركة المجتمعية، وزرع كل هذه القيم فى الأطفال منذ الصغر، ليشبوا على قيم ساعدت فى تقدم اليابان اقتصاديا وجعلتها فى مصاف الدول المتقدمة بعدما وصلت إلى مرحلة الانحدار بعد الحرب العالمية الثانية، لكنهم فطنوا إلى الحقيقة التى تقول إن بناء الشخصية هو بداية التقدم والنهضة، وهو ما فطن إليه الرئيس السيسى أيضا، لذلك فإنه يبدو مهموما بهذا الأمر، ويفكر فى آلية لتحويل فكرة صياغة الشخصية المصرية إلى استراتيجية شاملة تجمع كل مكونات المجتمع المصرى ومؤسساته، فالقضية تحتاج إلى عدة محاور، منها بطبيعة الحال التعليم والثقافة والخطاب الإعلامى، لكن لا ينفصل عن الاثنين، التربية الدينية للنشء سواء فى المسجد أو الكنيسة، وأيضا الأسرة المصرية التى عليها أن تعيد ترتيب أفكارها وأولوياتها مرة أخرى، لأنها الأساس الذى يبنى من خلاله شخصية الشباب، فالقضية تحتاج إلى تناغم بين الجميع حتى لا يحدث النشاز، فالاهتمام بالتعليم مع إهمال التربية الدينية وما يقال ويدرس فى المسجد والكنيسة يهدم كل ما سيتحقق، لأن التناغم يجب أن يكون موجودا حتى نصل إلى النتيجة المرجوة.
ارتباطا بهذا الأمر أيضا كان حديث الرئيس بصراحة شديدة عن أمر غاية فى الخطورة، وهو قضية الوعى، فغياب الوعى سيزيد المخاطر التى تواجه الدولة المصرية، وكما قال الرئيس «ممكن يكون عدم وعينا هو المؤامرة»، ورأينا ما حدث، الجمعه الماضى، فى خاصية «Safety Check/ التحقق من الأمان» التى فعلها موقع فيس بوك فى مصر صباح الجمعه الماضى بعد تفجير عبوة ناسفة بكمين بشارع الهرم، فقد تسابق المصريون لتفعيل هذه الخاصية على هواتفهم الذكية، غير مدركين أن إطلاقها أو تفعيلها فى مصر فى هذا التوقيت تحديدا تقف خلفه أهداف ليست بريئة، ظاهره الرحمة وباطنها تشويه مصر خارجيا وإظهارها فى صورة الدولة غير المستقرة وغير الآمنة.
هذا جزء من عدم الوعى الذى قد يكلف الدولة المصرية كثيرًا، ربما أكثر من المؤامرات التى يتم الترتيب لها خارجيا ضدنا، لأنه مهما بلغ ذكاء العدو فإنه لن يحقق هدفه إلا إذا كان يتعامل مع شعب وعيه ضعيف، فالشعب الواعى يحصن نفسه من أى محاولات لاختراقه أو الإضرار به.
لذلك فإنى أعتبر حديث الرئيس عن صياغة الشخصية المصرية، ورفع درجة الوعى والإدراك لدى المصريين هو التحدى الأكبر أمام الدولة المصرية، التى عليها أن تفكر من الآن فى هذا الأمر بجدية تتناسب مع خطورة الأمر، فمهما فعلنا من تطوير وتنمية فإنه لن يفيد شيئا مادامت القيم منعدمة أو غائبة، وهو ما يستدعى التدخل السريع لإعادة ترتيب أولوياتنا، وأن يقترن ذلك بدراسة الواقع الحالى للشخصية المصرية، والمأمول لها، ولدينا أمثلة تاريخية لشخصية المصرى الواعى والمحافظ على القيم والأخلاق، والذى برز وانتشر فى الخارج لأنه استطاع الحفاظ على وطنه فى الداخل، وهو ما نحتاجه الآن، وهو ما يدركه جيدا الرئيس السيسى، لكن الرئيس بمفرده لن يحقق ما يريده، لأن هناك عناصر متشابكة، منها كما قلت التعليم والثقافة والإعلام والسينما والأزهر والكنيسة والأسرة، كل من هؤلاء عليه دور مهم حتى نستعيد الشخصية المصرية القويمة مرة أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة