"إلى كل الذين يطلبون الحقيقة ولا يخشـون المجابهة ويرفضون التجاهل والاستخـذاء والذين يؤمنون أن الإسلام رسالة لإخراج النـاس من الظلمات إلى النور وجعل الإنسان خليفة فى الأرض والذين يؤرقهم التساؤل: لماذا ؟ كيف؟ وإلى متى ؟.. نقول لكم لا تيأسوا لقد رسمنا الطريق وبدأنا المسـيرة وندعوكم للمشاركة"، كانت تلك هى دعوة المفكر الإسلامى الراحل جمال البنا للتفكر والإيمان.
البنا الذى تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ96 (ولد 15 ديسمبر 1920- توفى 30 يناير 2013) كان له العديد من الآراء والفتاوى التى تعرضت دائما للمساءلة أو لمصادرة الكتب كما فعل الأزهر فى كتابه كتاب "مسئولية فشل الدولة الإسلامية"، أو الهجوم ولعل أشهرها ما فعله الشيخ يوسف البدرى والذى وصف فتاوى البنا بالمضيعة للوقت، حيث قال فى حوار نشرته جريدة المساء " - أعوذ بالله، مجرد الالتفات إلى هذا مضيعة للوقت هذه ثقافة عمالية يا ولدى، إنه لم يحصل على غير الابتدائية،, هو عشان أخو حسن البنا يبقى مفتى؟ لا علم عنده والمستمع إليه يلقى بنفسه فى نار جهنم".
كما كان له مؤيدون لأفكاره وأرائه، حتى أن الكاتب وليد محمود عبد الناصر، وصف المفكر الراحل، فى مقال نشر فى جريدة الشروق المصرية فى فبراير 2013، بالمناضل قائلا: "الواقع أن الأستاذ جمال البنا لم يكن مجرد مفكر، بل كان له دور نضالى على أرض الواقع فى أكثر من مجال".
وكانت من ضمن فتوى البنا المثيرة للجدل:
إمامة المرأة
أصدر الراحل جمال البناء كتابا بعنوان "جواز إمامة المرأة الرجال" والذى ألفه "البنا" بعد واقعة إمامة السيدة أمينة ودود مجموعة من الرجال والنساء لصلاة الجمعة فى إحدى الكنائس الأنجليكانية فى نيويورك، بعد أن رفضت ثلاثة مساجد فى نيويورك قبول الصلاة فيها، ويرصد البنا فى الكتاب، الآراء التى صبت هجومها على أمينة ودود، وكيف قامت الدنيا ولم تقعد.
ويشير البنا إلى أن أمينة ودود، أقبلت على هذه الخطوة للتدليل على مساواة الإسلام بين الرجل والمرأة، خاصة بعد الهجوم على الإسلام واتهام أمريكا بعد أحداث 11 سيبتمبر 2001 أن الإسلام بدين التخلف والجهل، ويؤكد البنا على ضرورة أن يقوم الذين عالجوا هذه القضية بأن يتمثلوا المشهد الأمريكى، وأن يضعوا أنفسهم موضع المسلمين هناك، يقول البنا: أرادت الدكتورة أمينة ودود أن تفند هذه الدعاوى، وأن تثبت زيفها وأن ترد على هذه الهجمة الشرسة بدليل عملى، وبواقعة محسوسة، وملموسة هى أن الإسلام يقر المساواة ما بين النساء والرجال، حتى فى أهم عمل رمزى وهو إمامة الصلاة.
وبحسب قراءة للروائى والكاتب وجدى الكومى، الكتاب يمثل دعوة صريحة من البنا، للنساء بأن يثرن على أوضاعهن، مشيرا إلى غسيل مخ، تعرضن له النساء، استمر خمسة آلاف عام، بحيث أنه ما إن يقال لهن إن السلف الصالح يأمر بكذا أو ينهى عن كذا، حتى يقلن سمعا وطاعة.
ويستشهد البنا فى الكتاب بوصول المرأة إلى رئاسة الجمهورية فى دول مسلمة مثل بنجلاديش وإندونيسيا، ولكن لم تصل مهما كان قدرها إلى إمامة الصلاة، وهو ما يعتبره البنا حاجزا كبيرا لا يزال قائما، فى وجه المساواة ما بين الرجال والنساء.
زواج المسلمة من غير المسلم
وتحت عنوان لا "حساب على القلوب"، أجاز الراحل زوج المسلمة من غير المسلم وذلك فى موضوع نشره الكاتب الصحفى وائل السمرى، حيث رأى المفكر الإسلامى جمال البنا عدم وجود نص قرآنى يحرم زواج المسلمة من قبطى أو يهودى، وأضاف: الثابت بالطبع أنه لا يوجد أى مانع من وقوع فتاة مسلمة فى حب مسيحى أو يهودى أو حتى من يسمونهم مشركين، فما دام الأمر - فى حالة المشركين - لم يخرج عن المشاعر ولم يتطرق إلى ممارسات عملية كالزواج أو ممارسة الجنس، فهو مباح شرعاً، ولا يقدر أحد أن يحاسب أحداً على ما يدور بقلبه، أو ما يشعر به، ولكن الأمر يختلف فى حالة أهل الكتاب، ونفس الموقف عبر عنه النبى محمد عليه السلام عندما قال عن حبه للسيدة عائشة وعدم قدرته على مراعاة شروط العدل فى المشاعر: "اللهم هذه قسمتى فيما أملك، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك"، أى لا تلمنى على مشاعرى.
يرى البنا أن ما ظن العلماء أنه مانع لزواج المسلمة من الكتابى، هو أن الله حرم زواج المسلمين من المشركين، فقد قال الله تعالى فى سورة البقرة الآية 221: "وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ"، ويضيف: ومن خلال سياق الآية نتبين أن التحريم هنا جاء بعدم زواج المسلمة من مشرك وليس من كتابى، والكتابى ليس بمشرك، وإن كان هناك بعض الناس يقولون إن المسيحى مشرك لأنه يؤمن بثلاثة أقانيم، إلا أن هذا كلامٌ مرسلٌ من بعض الناس المتشددين، الذين لا يكلفون أنفسهم عناء البحث.
الحجاب
قال المفكر الراحل جمال البنا فى حوار نشره موقع "العربية.نت": إنه لا حاجة الآن للحجاب لأنه يعوق المرأة عن حياتها العملية، وأنه لا يوجد فى الإسلام ما يؤكد فرضيته، وأضاف، الحجاب فرض على الاسلام ولم يفرض الإسلام الحجاب، فشعر المرأة ليس عورة، بل يمكنها أن تؤدى صلاتها بمفردها وهى كاشفة الشعر، واعتبر شعر المرأة ليس عورة قائلا "مطلقا لا أرى ذلك".. مشيرا إلى أن المجتمعات الذكورية التى تخصص المرأة للبيت فقط هى التى تلح على هذه النقطة.
كما أن البنا أصدر كتابا تحت عنوان "الحجاب" تحدث فيها عن حقوق المرأة بشكل عام، موضحا أنه يرى أن الحجاب ليس فرضا على المرأة وأن القرآن الكريم خص به نساء الرسول محمد، كما ناقش فكرة النقاب ويرى أنهُ فرض قسرى يجعل المرأة ذليلة.
كما تحدث "البنا" فى كتابه "مسئولية الدولة الاسلامية فى العصر الحديث" والذى حاول الأزهر مصادرته، إذا وجدت المرأة المسلمة فى المجتمع الأوروبى حرجا من كشف شعرها، وهذا طبعا ليس له أساس إسلامى كما يرى، ولكن إذا كان لديها الحرج فلتلبس "برنيطة" (قبعة) ولا تلبس ما يسمى بالحجاب الإسلامى الذى سيعزل بينها وبين المجتمع.
تحريم تدوين الحديث
فى عام 2008 أصدر الكاتب الراحل كتابا بعنوان "جناية قبيلة حدثنا"، والذى يتطرق إلى تاريخ رواية وجمع الأحاديث النبوية والظروف السياسية والتاريخية التى أحاطت بمرحلة تدوين السنة النبوية وتحويلها من مرحلة الشفاهة إلى مرحلة التدوين.
وبحسب موقع "ويكيبيديا" يصر البنا على إثبات نظريته على قضية "تحريم التدوين فى العهد النبوى وعهد الخلفاء الراشدين"، حيث كان الموقف المقرر هو "تحريم كتابة الأحاديث، وأن من كتب شيئاً منها، فإنما يكون لفكرة أن يحفظها ليتخلص منها" ويحشد لذلك سيلاً من أحاديث الرسول، ومن أقوال الخلفاء الراشدين أنفسهم. ويركز على حديث أبو هريرة، الذى يسميه جمال البنا بشيخ قبيلة حدثنا، عن قول رسول الله الذى أحرق كتبا بعد أن بلغه أن ناسًا كتبوا حديثه فيها: «حدثوا ولا حرج ومن كذب على متعمدًا فليتبـوأ مقعده من النار.»
يسوق البنا دلائل وأحاديث فى النهى عن الإكثار من رواية الحديث عن الرسول حيث يروى أن أبو بكر الصديق جمع الناس بعد وفاة الرسول وقال لهم:
"إنكم تحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه".
التدخين لا يفطر فى نهار رمضان
كانت هناك فتوى للباحث الإسلامى الراحل جمال البنا بأن التدخين لا يفطر، وبرر جمال البنا فتواه بأنها تأتى فى إطار حرية الاجتهاد وعدم الوقوف على ما استقرت عليه آراء الفقهاء عبر العصور وقام بتأصيلها منطلقا من أن دخان السجائر وتدخين الشيشة ينطبق عليها ما ينطبق على البخور التى لا يستطيع أحد أن يقول إن شم البخور يفطر الصائم رغم وجود قول لدى قلة من الفقهاء القدامى بأن ذلك مفطر.
القبلات بين الرجل والمرأة ليست من الكبائر
أصدر المفكر الإسلامى المصرى جمال البنا كتابا بعنوان "قضية القبلات وبقية الاجتهادات" لتأصيل الموقف الشرعى فى قضية القبلات، نتيجة تعرضها لهجوم شديد من علماء الأزهر الذين اتهموه بالتشجيع على نشر الفاحشة فى المجتمع، وطالبوه بالتراجع عنها، وذلك بعد إصدار فتوى أصدرها البنا خلال حديث مع قناة "الساعة" الفضائية أباح تبادل القبلات بين الشباب والشابات فى الأماكن العامة.
وضم الكتاب 3 أقسام، خصص القسم الأول لفتوى القبلات، التى اعتبر أنه أسيء فهمها والتى وصف الهجوم حينها بـ"التشنيع عليه". مؤكدا أنه لم يسع أبدا إلى إباحة هذه القبلات، ولكنه أشار إلى أن الإسلام لم يعتبرها من كبائر الذنوب، بل "من الصغائر التى تعالج بالحسنات".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة