مصر، هذا البلد العجيب المعجون بـ"ميّة ملايكة"، المدهش الساحر الذى لا يتوقف عن آياته وتجلياته العبقرية، التى تُسكت اللسان وتُحرّك القلب، فبعد أيام من حضور القرآن على لسان شيخ مسلم فى سرادق عزاء مسيحى بحى شبرا، محتفيًا بالروح التى خلقها الله واستعظمها وأجلّها، تدخل محافظة سوهاج، قلب الصعيد الجميل، على خط الدهشة المعجونة بالمفارقات، مستحضرة القرآن إلى جوار الإنجيل، فى جلسة صلح وإنهاء ثأر بين عائلتين قبطيتين، وهكذا دائمًا من يحتفون بالوطن والحياة والإنسان، يقدّسون كل جميل ومقدّس، لأن الله جميل ومقدّس، ولأن الإنسان جميل والحياة مقدّسة، وفى هذا فليتنافس المتنافسون، مرتلين "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" ومصلّين لله برسالة بولس الرسول لأهل كورنثوس "ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التى لله فينا، الله محبة، ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله".
قيادات مديرية امن سوهاج تشارك في جلسة صلح بين عائلتين في دار السلام
القرآن والإنجيل يحضران فى إنهاء خصومة ثأرية بسوهاج
بتلاوة القرآن الكريم والإنجيل، نجحت قوات الأمن ومؤسسة "بيت العائلة"، ورموز محافظة سوهاج، فى إتمام الصلح بين عائلتين قبطيتين فى واقعة ثأر بينهما، ليس صلحًا عاديًّا كالجلسات التقليدية، ولكنها واحدة من أجلّ صور الوحدة الوطنية، وردّ على التحديات السافرة التى يحاول الجاهلون زرعها بين أبناء الوطن، ففيها ضرب الأقباط فى "نجع جنيدى" التابع لقرية النصيرات بدائرة مركز دار السلام، واحدًا من أروع الأمثلة فى المحبة والتآخى بين المسلمين والمسيحيين، باعثين رسالة للعالم أجمع بأن مصر لن يزعز استقرارها وثبات هويتها شىء، ولن يفرق الإرهاب الأسود بين نسيجها الواحد المقسوم على لونين ثريين، مهما حدث ومهما حملت رياح الأيام من غبار، وهذا ما أكده القمص ويصا فانوس، راعى كنيستى نجوع مازن بشرق بمركز دار السلام، فى قوله "إن عمامتى القس والشيخ هما علم مصر، اللون الأسود عمامة القس، والأبيض والأحمر عمامة الشيخ، وهذا دليل إلهى على أن مصر فوق رؤوس الجميع، ولن يصل إليها أحد بتلك الأفعال المشينة، لأنه محمية من الله عز وجل، وصلح اليوم لأول مرة يتم بالقسم على الإنجيل".
حضور كبير من العائلات لجلسة الصلح في دار السلام
الأهالى يؤكدون أخذ رأى مشيخة الأزهر فى خصومة العائلتين القبطيتين
فى السياق ذاته، أكد الأهالى أنه تم أخذ رأى مشيخة الأزهر فى الخصومة الثأرية بين الطرفين من أبناء العمومة للأقباط، التى جاء فيها الرأى بأن يتم تقديم "القودة"، أى الكفن، لأهلية المجنى عليه، بينما شارك فى الصلح اللواء أيمن الملاح حكمدار المديرية نائبًا عن اللواء مصطفى مقبل مساعد الوزير ومدير أمن سوهاج، واللواء خالد الشاذلى مدير إدارة المباحث الجنائية، واللواء عصام العلقمى سكرتير عام محافظة سوهاج نائبًا عن الدكتور أيمن عبدالمنعم محافظ سوهاج، والنائبان جابر الطويقى وطارق رضوان، عضوا المجلس عن محافظة سوهاج، والعميد أحمد الشمندى مأمور مركز شرطة دار السلام، ورجال الكنيسة، ورجال الدين الإسلامى والمسيحى، وعمد ومشايخ ووجهاء القرى، وأكثر من 3000 شخص من الأهالى، وبحضور الشيخ محمد مصطفى السمان شيخ ناحية البلابيش بحرى، وقدم الصلح الأستاذ الجامعى عبد العظيم محمد أحمد، إذ شارك فى إتمامه بتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وأكد أننا نسعى دائمًا لإتمام عمليات الصلح بالمركز، التى تم حصرها فى جميع القرى ومن المنتظر الانتهاء منها بمباركة رجال الأزهر والكنيسة.
وقال الدكتور عبد العظيم محمد أحمد الأستاذ بجامعة الازهر الشريف إن إتمام الصلح نواة لجهود المخلصين من أبناء القرية والقرى المجاورة، مؤكداً أن هناك أشخاصا لا يرغبون فى الظهور كان لهم الأثر الطيب فى إتمامه بهذا الشكل.
وأوضح، فى تصريحات على هامش انعقاد الصلح، أن القيادات الأمينة كان لها الدور المهم فى ذلك، مطالباً كبار العائلات بضرورة أن يكون هناك عمليات صلح جديدة بين المتخاصمين فى محافظة سوهاج.
اعضاء بيت العائلة يشاركون فى جلسة الصلح بدار السلام
أمن سوهاج: على رجال الأزهر والكنيسة عبء كبير فى إنهاء الخصومات الثأرية
من جانبه، قال اللواء أيمن الملاح، حكمدار مديرية أمن سوهاج، إن إتمام المصالحات بين العائلات أمر نفخر به جميعًا، مؤكّدًا دعم أمن سوهاج لكل الجهود التى تقضى على الثأر فى مدن وقرى مصر، وأن هناك عبئًا كبيرًا على علماء الأزهر ورجال الدين المسيحى فى تغيير الفكر ومواجهة الخطاب الذى يدعو للعنف بعيدًا عن القيم الدينية، وأن إتمام المصالحات بين العائلات أمر نفخر به جميعًا، والمبادرة التى أطلقتها مديرية أمن سوهاج تستهدف إنهاء الخصومات الثأرية عبر تنفيذ الأحكام الصادرة، وسرعة القبض على المطلوبين، وفحص الخصومة، وتحديد تكييفها القانونى والشرعى وما إذا كانت قتلاً خطأ أو شبه خطأ أو عمدًا، والدفع بالعمد والمشايخ وعلماء الدين وأصحاب الرأى لإقناع الطرفين بقبول شرع الله الذى يبدأ من العفو وينتهى بقبول الدية.
اعضاء بيت العائلة واهالى دار السلام خلال جلسة الصلح
بدوره، قال العميد خالد الشاذلى، مدير إدارة المباحث الجنائية، إن المبادرة نموذج عملى لثقافة المصالحات، وما حدث فى هذا التوقيت هو حفاظ على مستقبل الأجيال المقبلة، خاصة الشباب، متابعًا: "إننا نُعوّل كثيرًا على دور العمد والمشايخ وأصحاب الرأى فى المصالحات، وأحذر من يقوم بتعطيل الصلح فى أى خصومة ثأرية، سنتخذ ضده الإجراءات القانونية اللازمة، وسنطبق القانون بكل شدة وحزم"، مطالبًا أصحاب الخصومات بترك عملية الحصول على أموال فى مقابل إنهاء الخصومات الثأرية.
قيادات مديرية امن سوهاج تشارك في جلسة صلح بين عائلتين في دار السلام
نائب دار السلام: سندعم المبادرة التى باركها الأزهر لإرساء قواعد السلام والمحبة بسوهاج
على الصعيد البرلمانى أكد النائب جابر الطويقى ضرورة البعد عن العصبية وتحكيم العقل، مطالباً أن يكون هناك دور لكبار العائلات فى وأد الفتنة قبل انتشارها حتى نستطيع العيش فى سلام.
واستطرد أن مركز دار السلام بسوهاج شهد مؤخراً العديد من عمليات الصلح، وذلك بتقديم القودة "الكفن"، موضحاً أن الأهالى يساعدون على ذلك.
ومن جانبه قال النائب طارق رضوان: "إننا كنواب عن مركز ومدينة دار السلام لن نترك خصومة ثأرية موجودة إلا ونسعى وراءها، ونقوم بتقريب وجهات النظر بين أطرافها، حتى نصل إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين، والاتفاق على إتمام الصلح بينهما، وسندعم المبادرة التى أطلقها مديرية أمن سوهاج، والعميد خالد الشاذلى مدير إدارة المباحث الجنائية، وباركها الأزهر الشريف، لإرساء قواعد السلام والمحبة على مستوى المحافظة، من أجل مصر، عاشت مصر شعبًا وجيشًا وشرطة.
اعضاء بيت العائلة خلال جلسة الصلح
ومن ناحيته اعتبر الشيخ محمد مصطفى السمان شيخ ناحية البلابيش بحرى مركز دار السلام أن القرى شهدت مؤخراً مصالحات عديدة بين العائلات، مؤكداً أن ذلك يأتى نتيجة لتوجيهات القيادات الأمنية المختلفة وعلى رأسها اللواء مجدى عبد الغفار وزير الداخلية، الذى دائماً يعطى توجيهاته لهم بضرورة عمل مصالحات شاملة بين المواطنين، ومن ثم يتم عمل ذلك بمساعدة مدير الأمن واللواء خالد الشاذلى مدير مباحث سوهاج، والقيادات الأمينة الأخرى وعلى رأسها مأمور مركز دار السلام العميد أحمد الشمندى والمقدم طارق الوتيدى رئيس مباحث المركز والرائد محمود حلمى معاون أول مباحث دار السلام.
حكاية الخصومة الثأرية بين عائلة "مترى" وعائلة "لبيب"
يُذكر أن الخصومة الثأرية التى تم إنهاؤها ترجع إلى المحضر رقم 2681 إدارى مركز شرطة دار السلام لسنة 2014، بِان مقتل المدعو منيب مترى دميان، 55 سنة، مزارع ويقيم بناحية النصيرات بدائرة المركز، والذى اتُّهم فى مقتله بولس وهيب لبيب، وإدوارد وهيب لبيب، ونورة وهيب لبيب، وذلك بسبب خلافات سابقة بينهم.
احد اعضاء بيت العائلة يشارك في جلسة الصلح
وأقيم الصلح النهائى فى سرادق، وقدم المتهم الثانى "القودة - الكفن" لأبناء المتوفّى، رومانى منيب مترى، ومترى منيب مترى، واتفق الطرفان وتعهدا بنبذ العنف وأن يكون صلحًا جديا، لينتهىا النزاع القائم بينهما، وجارٍ اتخاذ الإجراءات التأمينية اللازمة لتأمين مراسم الصلح، وقد تحرر عن ذلك المحضر رقم 5565 إدارى المركز لسنة 2016، وتولى عملية التأمين المقدم طارق الوتيدى رئيس مباحث مركز دار السلام، والنقيب محمود حلمى معاون أول مباحث المركز، وشهد محيط السرادق نشر القوات والبوابات الإلكترونية للكشف عن المعادن.
حضور كبير من العائلات لجلسة الصلح في دار السلام
لحظة القسم على الانجيل
افراد العائلتين يصافحون اعضاء لجنة بيت العائلة
لحظة تقديم الكفن والانجيل
جانب من جلسة الصلح
لحظة تلاوة القسم وتقديم الكفن
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة