المترو كان كلمة السر فى إنشاء مصر الجديدة، وتجسدت عبقرية مؤسسها البارون البلجيكى امبان، فى تغيير معادلة إنشاء المدن، فشق الطريق قبل بناء المدينة، وبدأ بوسيلة مواصلات لاختراق صحراء هليوبليس، على مساحة 25 كيلو متر مربع، واستخدم المترو الذى أطلق الأهالى عليه اسم «العفريت»، فى نقل مواد البناء من وسط البلد، إلى المنطقة الصحراوية النائية، وكان يشجع الناس لركوب المترو بمنحهم تذكرة مجانية لدخول الملاهى، وأصبحت الصحراء بعد سنوات قليلة، لؤلؤة بين كل أحياء القاهرة.
تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى، لشبكات الطرق العملاقة يوم الخميس الماضى، وعلى جانب كل طريق مساحات شاسعة من الأراضى، التى تتهيأ لتصبح مجتمعات جديدة، سوف تغير شمل خريطة مصر، التى حشرنا أنفسنا فى %7 من مساحتها، وتركنا بقية أراضيها الشاسعة، تعبث فيها الرياح والرمال والإهمال، فاختنقت المدن والقرى بمن فيها، ودخلت البلاد عصر الزحام، بكل مساوئه الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية.
الطريق هو شريان الحياة والبناء والنمو، والصحراء هى الأمل والمستقبل بمساحتها الشاسعة، وأجواؤها النقية البعيدة عن التلوث، وأمامنا نماذج طريق الإسكندرية الصحراوى، الذى تحول إلى جنة خضراء، تمد مصر بكميات كبيرة من الفاكهة والخضراوات، علاوة على التصدير، وطريق الإسماعيلية الصحراوى، الذى يلتحم بالقاهرة تدريجيا ولا يوجد فيه شبر غير مستغل، والخطأ الوحيد الذى تتجنبه الدولة الآن فى الطرق الجديدة، هو حمايتها من حيتان الأراضى وأصحاب السلطة والنفوذ، الذين وضعوا أيديهم على الأراضى بالسطو والنفوذ، لتصبح أرض مصر لكل المصريين، وليس فئة واحدة تنهب خيراتها وتمتص ثرواتها.
خريطة مصر تتغيروثوبها الذين ضاق بسكانها يتسع، والطرق الجديدة تفتح أبواب الخير، وتبشر بنهضة عمرانية كبيرة، ومدن وأحياء جديدة تستوعب الزيادة السكانية، وتنقذ الناس من الحياة فى أماكن لا تليق بحياة البشر، وتخلق فرصا هائلة للأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، فليس معقولا ولا مقبولا أن يصل سعر متر أراضى البناء، فى بعض المدن القديمة إلى مائة ومائة وخمسين ألف جنيه، فى بلد مساحته أكثر من مليون كيلو متر مربع، ويحشر نفسه فى مساحة ضيقة لا تصل إلى العُشر.