بناء الشخصية المصرية يستند فى الأساس لعدة عوامل، لكن أبرزها التعليم، الذى يحتاج إدراكا من القائمين عليه بأنهم أمام مسؤولية تاريخية لا تحتمل أى تراخى أو الدخول فى خصومات شخصية، يكون من نتاجها عرقلة أى تحرك فى تنفيذ الرؤية التى تحتاجها الدولة لتطوير أساليب التعليم فى مصر، خاصة مع إدراكنا جميعاً الحالة التى وصل إليها التعليم.
مع الاعتراف بأهمية كل ما سبق، وأن الدولة تخصص كل جهدها للارتقاء بالمنظومة التعليمية فى مصر، لكن تبقى مشكلة فى غاية الأهمية، وهى شعور عام لدى قطاع كبير من المصريين بأن الوزيرين المسؤولين عن المنظومة التعليمية ليسا على قدر المسؤولية، وأنهما لا يدركان حتى الآن المسؤولية التاريخية والأخلاقية لملف المنظومة التى يديرانها، ومن نتائج ذلك هذا التخبط فى القرارات والتوجهات، وأيضاً تغليب المشاكل الشخصية على الرؤية العامة للدولة، وفى النهاية تكون النتيجة لا شىء.
الوزيران، خاصة وزير التربية والتعليم، الدكتور الهلالى الشربينى، يتفاخر دوماً بالأرقام، سواء المتعلقة ببناء مدارس جديدة، أو إعادة تأهيل أخرى قديمة، كما يزهو دوماً الدكتور أشرف الشيحى، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، بعدد الموافقات على تأسيس وإنشاء جامعات خاصة وفروع لجامعات دولية فى مصر، وهذا بطبيعة الحال أمر مهم، لكنه لا يمثل لب القضية أو الأزمة التى نعانى منها، والتى هى نتاج تراكمات طويلة لا يتحمل الوزيران الحاليان أى مسؤولية عنها، لكنهما فى المقابل لا يمثلان أى بارقة أمل على التغيير، بل هناك من يعتبر وجودهما تراجعاً فى ظل اهتمامهما بفرعيات طغت على الاستراتيجيات العامة، وبالتالى لم نصل إلى محصلة مرضية حتى الآن، حتى حينما قرر أحدهما وهو الوزير الهلالى الشربينى أخذ خطوة جيدة بشأن ضوابط منح درجات للمواظبة على الحضور والانضباط السلوكى للطلاب، تراجع عنها فوراً خوفاً من غضب أولياء الأمور، مفضلاً البقاء فى منصبه الوزارى على التمسك بخطته وخطواته، التى أعلنا جميعاً مساندتنا لها، لكنه فى النهاية قرر السير فى المضمون وعدم الدخول فى سجالات.
على نفس الشاكلة، يسير الوزير الشيحى، الذى قرر التفرغ لمعارك شخصية، مثل خلافاته مع رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار، حول قرار الأخير بإلغاء خانة الديانة من كل الأوراق المتعامل بها داخل الجامعة، ورغم ترحيب الغالبية بهذا القرار باعتباره خطوة أولى فى تطبيق مبدأ المواطنة، وعدم التفرقة بين المصريين على أساس دينهم، خرج الوزير ووصف القرار بأنه يسبب فتنة، دون إدراك منه بأن ما يقوله الوزير هو الفتنة نفسها.
الشيحى لم يكتفِ بذلك، بل سمعت من أحد الزملاء الذين حضروا مؤتمر «مصر تستطيع» فى الغردقة الأسبوع الماضى، بحضور كوكبة من علماء مصر المقيمين بالخارج، أن الوزير دخل فى جدال طويل مع العلماء حول مقترحهم بضرورة ضم وزارتى التعليم والتعليم العالى، وأن تعود وزارة البحث العلمى من جديد، وهو المقترح الذى لم يعجب الوزير وصمم ألا يتم إدراجه ضمن التوصيات النهائية للمؤتمر الناجح ليس بسبب وجود الوزير، وإنما لوجود الإرادة السياسية للدولة على الاستفادة من خبرات أبناء مصر فى الخارج، وهو مجهود ينسب أولاً لوزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم، وللصديق الإعلامى أحمد فايق الذى كان برنامجه «مصر تستطيع» بارقة أمل تلقتها الدولة وبنت عليها.
الخلاصة بالنسبة لى أن ما أراه يدور حالياً فى المنظومة التعليمية لا يتناسب مطلقاً مع السياسة العامة للدولة، التى تضع التعليم على رأس أولوياتها، وتعتبره قضية أمن قومى، وتخصص له الدولة والقيادة السياسية الكثير من الجهد والوقت والمال أيضاً للارتقاء بها، ولوضع خطط استراتيجية تعيد للتعليم المصرى مكانته، لكن كل هذا لا يتناسب مع قدرات الوزيرين، الشربينى والشيحى، لأنهما أقل من أن يتحملا مسؤولية كبيرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة