عقب كل حادثة، أو واقعة أو كارثة، يشتعل الجدل، ويطرح السؤال: هل سيدخل ضحايا هذه الحادثة الجنة أم النار؟ وفى الحقيقة أنا لا أجد منطقًا لطرح هذا السؤال، ولا أحترم من يخوضون فيه أو من يجيب عليهم، فهذا الأمر لا يعنى أحد، وإن دخل العالم كله النار فلن تستفيد شيئًا، وإن دخل الجنة فلن تخسر شيئًا، فلماذا يصبح هذا السؤال سؤالًا مركزيًا يدور الجميع حوله؟ ولماذا يصبح لقب شهيد من الألقاب المتنازع عليها بين أتباع الأديان المختلفة أو أتباع الدين الواحد؟ فى حين أن هذا أمر لا يعلمه إلا الله، ولا يحاسب عليه إلا الله.
فى كل معركة ينشغل الناس بما يجدد التناحر، ويبدد الصبر، ويعمق من التمييز بين المواطنين، ويقلب المواجع على أهل الضحايا، فيصبحوا متشككين فى مصير أبنائهم، فى حين أنهم فى أمس الحاجة إلى «الصبر والسلوان»، وكانت آخر هذه المعارك حول ضحايا الكنيسة البطرسية التى أعتبرها كارثة إنسانية وطنية فى المقام الأول، وليست كارثة دينية بأى حال من الأحوال، برغم أنها وقعت فى دار عبادة، وأكاد أجزم بأن مرتكب هذه الجريمة لم يفكر فى الأبعاد الدينية للجريمة بقدر ما فكر فى إلحاق أكبر عدد من الخسائر السياسية والاقتصادية بمصر، وأنا على يقين بأن من فكر فى هذه الجريمة، ودبر لها لم يضع «الدين» فى حسبانه، بل «السياسة» بل «الاقتصاد» بل «الوضع الإقليمى» فهناك العديد من الدول المعروف عنها تمويلها للإرهاب فى العالم لا تريد لمصر أن تنهض، وتريد لمصر أن تظل خانعة لغيرها، قابعة فى الدرك الأسفل، ضعيفة فى بنيتها، دول تريد لمصر أن تظل «محتاجة» على الدوام، وفقيرة على الدوام، حتى لا ينبع رأيها من مصالحها الوطنية، وإنما من إملاءات الغير عليها، ولهذا فالدخول إلى معركة المصائر الدينية بالنسبة لى أمر لا يتعدى كونه قنبلة دخان يريد ملقيها أن يعتم على السبب الرئيسى وراء هذا العمل الإجرامى.
آفتنا أننا نسير ووجوهنا مصوبة نحو الوراء، ومشكلتنا جعل غالبية أزماتنا معلقة فى الهواء، نغرق فى التناحر فيما لا يفيد، نستنزف طاقتنا فى الجدل العقيم، ننسى أن الحياة أمامنا وأن بمقدورنا جعلها «جنة» حقيقية فقط إذا ما نظرنا أمامنا وتركنا ما لا يعنينا، وفى هذا ليس غريبا أن تؤكد الإحصائيات العالمية أن غالبية «الشعوب الإسلامية» هى الأبعد دوما عن «أخلاقيات الإسلام».