تعويم الجنيه أغرق الصحافة الورقية، وليس أمامها إلا أن ترفع أسعارها فلا تجد من يشتريها، أو أن تستمر دون زيادة فتتضخم الديون، وفى الحالتين لن تستطيع الاستمرار، وستضطر للتوقف عاجلا أو آجلا ، ولولا دعم الدولة للصحافة القومية، لأغلقت أبوابها منذ سنوات، وتعطل آلاف الصحفيين عن العمل، فى ظل ظروف معيشية بالغة الصعوبة، عصفت بالمهنة وبمن يعملون فيها.
فى الوقت الذى اشتعلت فيه أسعار الورق ومستلزمات الإنتاج، وتضاعفت أعداد الصحفيين والعاملين فى السنوات الخمس الأخيرة .. تدهورت أرقام التوزيع بشكل فادح، وانخفضت إيرادات الإعلانات وانكمش حجمها، وتراكمت الديون بجميع أنواعها، وانتقلت أمراض الصحافة القومية إلى الصحف الخاصة، فلا تطوير ولا تحديث ولا تفكير فى كيفية مواجهة الأزمة، التى يستحيل احتمالها لفترات طويلة .
انصرف الناس عى الصحف لسببين، الأول هو الصحافة الإليكترونية التى تتطور بشكل مذهل، والثانى هو عدم تطوير الصحافة الورقية لأدواتها فأصبحت خارج إطار الزمن، فلماذا يشترى القارئ صحيفة تنشر أخبارا قديمة ، وفى يده الموبايل والكمبيوتر الذى ينقل له الأحداث ببلاش وقت وقوعها، علاوة على التوك شو الذى حول الأخبار الصامتة، إلى فيديوهات ناطقة، بينما ظلت الصحافة الورقية كما هى، تنقل الخبر بنفس طريقة سليم ونقولا تكلا، عندما أسسا جريدة الأهرام .
الصحافة الورقية فقدت ميزة " رمانة الميزان " كما كانت، وانخفض تأثيرها ودورها، ولم تعد صاحبة جلالة يخطب الحكام وكبار المسئولين ودها، ولم تحاول أن تواجه أزماتها الحقيقية بحلول واقعية، أهمها إعادة تدريب وتأهيل الصحفيين، لمواكبة التطورات المذهلة للصحافة الإليكترونية، بجانب الهيكلة المالية والإدارية السليمة، والتخلص تدريجيا من الأنشطة الخاسرة، ودمج كيانات الطباعة والتوزيع فى المؤسسات القومية، فى شركات قابضة عملاقة تحسن إدارة مواردها، وتربطها بعجلة التطوير والتحديث ، فالمشاكل معروفة والحلول أيضا ، ونحن لا نخترع العجلة ولا نعيد اكتشافها .
قبل أن يشتد المرض قد يجدى العلاج، أما السكوت والاسترخاء إزاء مشاكل مستفحلة ، فسوف يؤدى للانفجار فى أقرب وقت، فلا الدولة تقدر على الاستمرار فى تحمل النزيف، ولا الصحف تقوى على أهرامات الديون، والحل هو فتح هذا الملف المسكوت عنة بجرأة وشجاعة، حفاظا على مهنة كانت عزيزة، ويجور الزمن عليها الآن