قال وزير الخارجية سامح شكرى، إن التحديات التى تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية، كفيلة بأن تبرز وبوضوح الحاجة لمزيد من التشاور والحوار العربى الأوروبى حول القضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها تعاظم خطر الإرهاب والتطرف، وما يرتبط بهما من انتقال الإرهابيين والمقاتلين الأجانب عبر الحدود لزعزعة أمن الدول العربية وأوروبا.
وأكد وزير الخارجية، فى كلمته خلال الاجتماع الوزارى العربى الأوروبى الرابع فى القاهرة أن تعاظم الوضع على الساحتين السورية والليبية بات يعصف بمقدرات هذين البلدين العربيين، ويدفع آلافًا لهجرة أوطانهم واللجوء لدول الجوار العربى أو أوروبا، فضلاً عن الركود الذى تشهده عملية السلام فى الشرق الأوسط، بما يسمح باستمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية وحرمان الشعب الفلسطينى من حقه فى تقرير مصيره وإنشاء دولته المستقلة على كامل ترابه الوطنى.
سامح شكرى يرحب بوزراء خارجية الدول العربية والأوروبية
ورحب الوزير سامح شكرى بوزراء خارجية الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبى، معربًا عن أمله فى أن يمثل الاجتماع الرابع لوزراء خارجية دول الجامعة العربية، مع نظرائهم من دول الاتحاد الأوروبى، خطوة جديدة نحو تطوير سبل التعاون العربية الأوروبية، موضّحًا أنه المسعى الذى لا يستمد زخمه من حقائق الجوار الجغرافى بين العالم العربى وأوروبا فحسب، وإنما يتأسس على إرث تاريخى وحضارى، وعلى اقتناع قوى بأهمية تضافر جهودنا لمعالجة تحديات جسيمة فى مسيرتنا نحو تحقيق أمن واستقرار وتقدم شعوبنا.
وأكد وزير الخارجية، الاهتمام الكبير الذى توليه مصر لعلاقات الشراكة التى تربطها بالاتحاد الأوروبى، سواء على المستوى الثنائى، أو فى الإطار الأوسع للتعاون العربى - الأوروبى فى المجالات ذات الاهتمام المشترك، مشيرًا إلى أن اجتماع القاهرة يعكس وبوضوح رغبتنا المشتركة فى بناء شراكة عربية أوروبية تعود بالنفع على الجانبين، وتسهم فى تحقيق الاستقرار والأمن الإقليمى والدولى، وأن هذه الرغبة تُعدّ نموذجًا يُحتذى به للتعاون والتكامل بين التجمعات والتكتلات الإقليمية، وذلك من خلال الحوار البنّاء، وتحديد مساحات الاتفاق فى المصالح والأهداف.
وأكد "شكرى" أن التحديات والقضايا الملحّة أعراض مؤلمة لعملية إعادة تشكل قاسية يخوضها النظام الإقليمى فى المنطقة العربية، داعيًا لاستيعاب جذور وأصول هذه التحديات، خاصة إذا ما كان الهدف هو تضافر الجهود من أجل استعادة التوازن والاستقرار فى المنطقة، واحتواء تداعيات الأوضاع الحالية على أمن واستقرار العالم العربى وأوروبا، بل والعالم بأسره، داعيًا لقراءة مدققة لطبيعة رياح التغيير التى هبت على المنطقة منذ عام 2011، وأن دعوات التغيير بقدر ما حملت مطالب الشعوب مشروعة لتأمين مستقبل أفضل تستحقه الأجيال الشابة، أفضى المزيج الخطير من التدخلات الخارجية، واعتبار قوى رجعية أن موجة التغيير فرصة سانحة لتحقيق مكاسب سياسية أبعد ما تكون عن أهداف تحقيق الديمقراطية والتنمية العادلة، إلى نتيجة عكسية لم تعصف فقط بآمال التغيير والتقدم، بل حولتها فى بعض أرجاء المنطقة لأهوال يئن لها ضمير الإنسانية، ويدفع الأبرياء ممّن كانوا يتطلعون للحرية والتقدم ثمنها من أمنهم ومصائرهم، على حد تعبيره.
وزير الخارجية مشددا على أهمية تماسك الدول: تحقيق التطلعات لا يتم على أنقاض المؤسسات
وتابع وزير الخارجية سامح شكرى كلمته بالقول: "فى إطار الحوار الصريح والبنّاء الذى نحتاج إليه، فليسمح لى شركاؤنا الأوروبيون بأن أدعوهم لوقفة تأنٍّ مع النفس، تأخرت فى تقديرى أكثر مما يجب، من أجل إعادة تقييم رؤيتهم بشأن التطورات التى شهدتها السنوات الماضية على الساحة الإقليمية فى الشرق الأوسط، ولمدلولات هذه التطورات وتأثيراتها، ولعلّه بات جليًّا بما لا يتحمل الاجتهاد أن التحول المنشود نحو الديمقراطية والتقدم وتحقيق تطلعات 60% من سكان المنطقة ممن لم يتجاوزوا 30 سنة ويحلمون بالحرية والتمكين الاقتصادى وجنى ثمار التقدم الإنسانى بشقيه المادى والقيمى، لا يمكن بأيّة حال أن يقوم على أنقاض تماسك الدول ووحدتها، أو من خلال إضعاف مؤسسات الدولة الوطنية وخلق الفراغات السياسية التى تسمح بنشوء صيغ رجعية للسلطة تلعب فيها الميليشيات وقوى الطائفية، بل والمنظمات الإرهابية، دور البطولة الزائفة.
وأكد "شكرى" أن التغيير والتقدم المنشودين لن يتحققا إلا من خلال الدولة الوطنية والحكم الرشيد، وبتدعيم صيغة محدثة ومتقدمة من دولة المؤسسات الوطنية ذات الرؤية والقدرة على تحقيق تطلعات مجتمعها، للتقدم بتوظيف أدوات سيادتها، تأسيسًا على شرعية التفويض الممنوحة من شعبها.
خارجية مصر تقدم رؤية واضحة لملفات المنطقة وما تشهده الدول العربية
وحول مايجرى فى المنطقة العربية، أكد وزير الخارجية أن التدقيق فى خصائص ما تعانيه المنطقة العربية اليوم من أزمات، والتى تمتد آثارها إلى أوروبا، يكشف بوضوح الآثار الكارثية لهذا التحلل والتفكك لسلطة الدولة فى بعض أرجاء المنطقة، وحول الإرهاب أكد الوزير أنه لم تكن لتنتشر وتتغلغل جماعاته بهذا الشكل المعقد، لولا التقويض الذى تعرض له مفهوم الدولة الحديثة لصالح أيديولوجيات متطرفة وخطاب يحض على العنف وكراهية الآخر والهيمنة باسم الدين، مستبعدًا وجود قوة تستطيع مواجهة الإرهاب ودرحه، إلا بتضافر كل مؤسسات الدولة الرشيدة، بأن تكون مؤسساتها الأمنية الفاعلة فى مواجهة مخططات الإرهابيين على المستوى العملياتى، وتتدخل مؤسساتها الدبلوماسية لخط مسار عملى للحلول السياسية للأزمات المنتجة للإرهاب على المستوى الإقليمى، ومؤسساتها المدنية والدينية تنتج خطابًا دينيًّا مستنيرًا يواجه التطرف الفكرى ويرسخ قيم التسامح والاعتدال، ومؤسساتها المدنية والدستورية تحمى حقوق الإنسان، وتدفع بعملية التنمية الاقتصادية.
وحول الأوضاع فى سوريا، أكد وزير الخارجية سامح شكرى، أن أى حل سياسى يعيد الاستقرار ويرفع المعاناة الإنسانية عن الشعب السورى، يتعين أن يمر عبر بوابة الحفاظ على وحدة الدولة السورية وتماسك مؤسساتها الوطنية وسلامة أراضيها، موضّحًا أن مصر تتفهم وتؤيد الوفاء بمتطلبات الشعب السورى فى الحرية والديمقراطية والإصلاح السياسى، وتؤكد رفضها القاطع وإدانتها لكل الأعمال الإجرامية التى ترتكبها مختلف أطراف الأزمة تجاه المدنيين فى كل أنحاء البلاد، كما تُدين كل العمليات والجرائم الإرهابية المرتكبة من قبل التنظيمات الإرهابية، مثل "داعش" وغيرها من الجماعات الإرهابية بحق المدنيين فى مختلف المناطق السورية، متابعًا: "درس السنوات الخمس الماضية، على قسوته وثمنه الإنسانى الفادح، واضح ولا يحتاج سوى لاستيعابه، إذ يحاول المجتمع الدولى خط مسار الخروج من هذه الأزمة، وهو أن التغيير المنظم والإصلاح والتحول السياسى المرتب هو الحل لبناء سوريا جديدة تتسع لكل أبنائها".
وحول الأوضاع فى ليبيا، أكد سامح شكرى أن الأضرار الكارثية للفراغ الناتج عن سقوط الدولة يتضح أكثر فأكثر، فقد أسفرت الإطاحة بالنظام السابق عن انهيار شبه كامل للدولة الوطنية الليبية، وبات مصير ليبيا ككيان سياسى موحّد مرهونًا بمخططات الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة التى تعرقل تنفيذ اتفاق "الصخيرات"، الذى بذل المجتمع الدولى كثيرًا من الجهد والوقت لتسهيل التوصل إليه، مؤكّدًا أن مصر تؤكد دعمها للاتفاق ومحوريته، وأنها ملتزمة بالعمل بشكل مستمر حتى يتم التوصل لتوافق بين المجلس الرئاسى الليبى ومجلس النواب، والتنسيق بين كل الأطراف لتقديم مصلحة ليبيا على ما عداها، سعيًا لإقرار وتنفيذ تسوية سياسية شاملة، وتشكيل حكومة وفاق وطنى ممثلة لجميع شرائح وأطياف المجتمع الليبى، موضّحًا أن بناء الدولة فى ليبيا عملية معقدة وصعبة، ولكن لا غنى عنها إذا ما أريد لهذا البلد أن يعود إلى خريطة العالم العربى كإطار وطنى جامع لأبناء الشعب الليبى وأداة لتنفيذ تطلعاته إلى التقدم والحرية والرخاء.
سامح شكرى: لم يعد من المقبول أن يتغافل المجتمع الدولى عن قضية فلسطين
واختتم الوزير سامح شكرى، كلمته خلال الاجتماع الوزارى العربى الأوروبى الرابع فى القاهرة، بالقول: "اسمحوا لى أخيرًا وليس آخرًا، أن أتطرق لأهمية ألا تشغلنا التحديات الجسيمة التى يواجهها إقليمنا عن القضية التى كانت وستظل أصل التحديات الاستراتيجية فى المنطقة، وهى قضية الشعب الفلسطينى وحقه المهدر حتى الآن فى إقامة دولته المستقلة التى توفر إطارًا لتحقيق تطلعاته للحرية، بعيدًا عن قيود الاحتلال وممارساته غير الإنسانية، فلم يعد من المقبول أن يتغافل المجتمع الدولى عن محورية القضية الفلسطينية، فى القلب من أى مسعى جاد ومخلص لإعادة الأمن والاستقرار لربوع الشرق الأوسط، وهو ما لن يتحقق أبدًا طالما لم يتم التوصل لإطار للسلام العادل والشامل، ينهى الاحتلال الإسرائيلى لكل الأراضى الفلسطينية، وتخرج معه الدولة الفلسطينية العتيدة وعاصمتها القدس الشرقية إلى النور".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة