إذا كنت عربيا وتريد أن تدعو لسوريا فقد تحتار لمن تدعو؟ وإن كنت تشاهد فيديوهات منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى فستجد سوريا يعذب آخر، وامرأة سورية تستعطف رجلا سوريا، وتسأل على من ندعو؟ من الظالم ومن المظلوم؟ لماذا وصلت سوريا الجميلة إلى هذا الحال؟
وإذا أردت أن تتبع سياسة دولتك وتعتبرها هى الحقيقة، فالأمر سيختلف أن كنت مصريا أو سعوديا أو إماراتيا أو أردنيا، فكل دولة ترى الحق من وجهة نظرها بما يخالف الحق الذى تراه الدول الأخرى، وما يأتيك فى دولتك من وسائل الإعلام عن سوريا يسمى بالمسميات التى تتبناها دولتك، فمثلا ستجد بشار إرهابيا قاتل فى دولة، وفى أخرى يدعى له البعض أن ينصره الله هو وجيشه الوطنى، ستجد «انقذوا حلب» فى بعض الإعلام، وتحرير حلب فى إعلام آخر، وفى المشهدين جثث أهل حلب أنفسهم موجودة ولا تخفى على أحد.
الوضع الحالى على الأرض فى هذه البقعة العربية صاحبة الحضارة التى تسمى سوريا هو قتال وتشريد ودمار.
عليك أن تعرف من يحارب من أولا، فهناك بشار الأسد ومعه جيش من ناحية، وهناك فى الجهة التى يحاربها فصائل تحتاج أسبوعين لشرح تكوينها، البعض يسميها «ثوار» والبعض الآخر يسميها «ميليشيات».
وأيضا هناك الروس والإيرانيون وداعش، ماذا يفعل كل هؤلاء؟ قد يختلف التفسير، وفقا لهوى كل من يقرأ المشهد، لكن الحقيقة التى لا يختلف عليها أحد أن كل هؤلاء يقتلون ويقتلون.
روسيا وإيران يحاولان الإبقاء على بشار الأسد، وأمريكا ودول عربية تحاول إسقاطه واستبداله رئيسا على هواها.
ولا يمكن لعربى صريح مع نفسه أن يقول أن بشار الأسد شخص يمكن أن يسامحه التاريخ فيما وصل إليه الحال فى سوريا، لكن المشكلة على الأرض أن الوحيد الذى تعرف له هوية هو بشار وجيشه والباقى مجموعات وميلشيات لها مسميات عديدة تقف وراءها قوى مختلفة.
وبشار تدعمه عسكريا وبشريا روسيا وإيران بشكل صريح وعلنى، فالطائرات الروسية وقوات خاصة تحارب فى الأراضى السورية مع بشار، والأمريكان يقدمون دعما لوجيستيا للفرق الأخرى دون تدخل عسكرى.
والحقيقة ضائعة على الأرض فى السؤال عن، من الجانى ومن المجنى عليه، لكن كلما تزيد الدماء تجد من وقت إلى آخر مشروع قرار بمجلس الأمن لوقف هذه الجرائم التى هى ضد الإنسانية، لكن وكالعادة يبقى الفيتو فى يد القوى الكبرى معرقلا لأى قرار لا تراه الأطراف فى صالحها.
وأحيانا يتفقون على هدنة لنقل الجرحى ولمِّ أشلاء الضحايا فى مشاهد يبكى العالم عند رؤيتها ولا يفعل شيئا.
منذ أيام وقف أوباما وقال: «لقد فشلنا فى سوريا»، وهنا يتحدث عن المجتمع الدولى، وأيضا وقف أمين عام الأمم المتحدة يقول نفس الكلام أن قوى العالم عجزت عن وقف سيل الدماء فى سوريا.
والحقيقة، لا يوجد شىء اسمه المجتمع الدولى، بل يوجد مجتمع المصالح، ومن أجل ذلك تم تمييز دول بحق الفيتو فى مجلس الأمن، لأنها تملك القوة على الأرض، فمازلنا فى عصر القوة وبدون القوة لا تستطيع أن تتفاوض فى الغرف المغلقة.
أين العرب فى كل ما يحدث؟ عليك إما أن تضحك حتى تبكى أو تتوارى خجلا، فللأسف العرب كل العرب مفعول بهم ولا يستطيعون عمل أى تأثير ولا يريدون ولا يفعلون، هم أشبه بالأطفال الذين هجم على ملعب كانوا يلعبون فى الكرة رجال كبار فطردوهم وأخذوا هم هذا الملعب وأخذوا الكرة وأجلسوا الأطفال خارج الملعب يجمعون الكرات الضائعة.
أى عار أشعر به وأنا عربى أكتب هذه السطور الآن، وأى قلة حيلة أشعر بها الآن، وأى مهانة وذل أراه وأنا أشاهد أهلنا فى سوريا مهما اختلفت توجهاتهم وهم يقتلون ليل نهار.
وأى مجتمع إنسانى أخجل أننى أنتمى إليه هذا الذى يسكت على حجم هذا الدمار وقتل النساء والأطفال والشيوخ.
إن مشهد سوريا اليوم هو مشهد العار على العرب والعار على الإنسانية، فعندما اختلفت المصالح سقطت مبادئ العروبة، وعندما طمعت القوى غابت مبادئ الإنسانية وظهر المجتمع الدولى والدول الكبرى بوجهها القبيح الذى تتشدق بالعلم والعمل بحقوق الإنسان، ويقتل بما أوتى من علم الإنسان الأعزل الضعيف دون تفرقة.
وما تبقى من الشعب السورى أصبحوا لاجئين فى مخيمات عدد من الدول وبعضهم أيضا هاجر بشكل شرعى إلى دول عربية وأوروبية وأثبتوا نجاحهم فليس لديهم رفاهية، لأن إحساس أن ليس لك وطنا هو إحساس اللاعودة، فلا مفر من العمل من أجل البقاء.
هذا المقال مثله مثل أى شىء لن يضيف ولن يقدم ولن يؤخر، فنحن لا نملك أن نفعل ولا نجتمع كى نفعل، بل يزداد الخلاف يوما بعد يوم ويكتفى العرب «مثلى» بكتابة المقالات أو التغريدات أو التأثر والبكاء، فنحن أصبح اسمنا العرب المفعول بهم.
ولا أمل ولا حديث عن حلول عربية لمشاكل العرب، وأستطيع أن أكتب لك من الآن البيان الختامى للقمة العربية المقبلة «ده إذا انعقدت».
سيكون هناك خلاف كبير فى صياغة بند يتعلق بسوريا وسيكتفى البيان بالترحم على الموتى والأمنيات بالشفاء للجرحى السوريين، ويمكن «قرشين» للاجئين.
الآن ترتمى كل دولة عربية فى أحضان قوى عالمية، ويعسكر كل منها فى معسكر وتدفع الأموال العربية ضد بعضها، وحتى من يسكت فهو مشارك.
جرائم قتل وحروب بالوكالة مع تزايد متطرفين من كل الأجناس والأراضى السورية أصبحت مرتعا لهولاء.
ألم أقل لك عزيزى القارئ العرب نحن الآن لا شىء فى هذه المعادلة ونحن من فعلنا ذلك بأنفسنا.
الطبيعى فى مثل هذه المقالات التى أكتبها أن أختتمه بضرورة أن يجتمع العرب مرة أخرى كى تقوم لهم قائمة، وأن أتحدث عن أهمية الوحدة العربية.
والله لن أفعل، بل سأذكركم أن العراق وسوريا واليمن وليبيا لن تكون المحطات الأخيرة، وغدا سنكتب سطور كهذه عن دولة عربية أخرى، هذا أن كنا على قيد الحياة.
غدا ستسقط دولة عربية أخرى نتيجة هذا الضعف والتفرق الذى نحن فيه، البكاء ستخف وتيرته ومشاهد القتل فى سوريا سنتعود عليها والدول تسقط ولا تعود.
إن الإنسانية جميعها متهمة ومشاركة فى كل جرائم القتل والتشريد التى نراها يوميا فى حق الشعب السورى.
فلا تفيقوا أيها العرب واستمروا فى ثباتكم فأنتم شعوب مفعول بها واخترتم أن تكونوا هكذا، ومصيركم سيكون نتاجا لسلبياتكم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة