من مزايا الدولة المصرية بعد 30 يونيو، أنها تبنت سياسة خارجية مستقلة، منفتحة على جميع المسارات، لا تدين بالولاء لأحد إلا للمصالح المصرية، وكل ما يهم الأمن القومى العربى والإقليمى، وكان من نتاج هذه السياسة أن أعادت مصر علاقاتها «المنسية» مع قوى دولية وإقليمية مؤثرة، وأصبحت العلاقات المصرية الخارجية أساسها الندية وليس التبعية.
اليوم وبعد ثلاثة أعوام على هذه السياسة يثور تساؤل حول إمكانية أن تقوم الدولة المصرية بمراجعة وإعادة تقييم هذه السياسة، والوقوف على ما تحقق من إيجابيات وما شهدته من سلبيات، لنقرر بعدها هل نسير على نفس الطريق أم نجرى بعض التعديلات والتغيرات التى تسمح لنا بالمناورة فى بعض المواقف، خاصة فى ظل التقلبات السياسية التى تشهدها المنطقة حالياً، فضلاً عن التوترات التى بدأت تدق أبواب العلاقات المصرية مع عدد من الدول بينها الشقيفة السعودية.
قد يعتبر بعض المنخرطين فى العمل الدبلوماسى أن فكرة إعادة تقييم ومراجعة للسياسة الخارجية لا يجب أن تتم بهذه السرعة، فثلاثة أعوام ليست بالفترة الكافية لتقييم التجربة، وهذا رأى صائب بطبيعة الحال، لكنى أشير هنا إلى عدد من التغيرات التى شهدتها العلاقات الدولية خلال العامين الماضيين دفعت دولاً إلى تغيير سياساتها الخارجية، فالعدو انضم إلى قائمة الأصدقاء، لأن الترتيبات تغيرت، وبات من الضرورة أن تبحث كل دولة عن مصالحها التى تاهت وسط متغيرات إقليمية كثيرة.
بالتأكيد المؤسسات المصرية وعلى رأسها وزارة الخارجية تجرى مراجعة مستمرة ودائمة لعلاقاتها الخارجية، كما تجرى تقييما دورياً للمخاطر التى يتعرض لها الأمن القومى العربى، فى إطار الهدف المصرى بالحفاظ على التضامن العربى فى مواجهة كل المحاولات التى تستهدف النيل من أمن واستقرار الدول العربية، والرؤية المصرية للأمن القومى العربى التى تعد رؤية شاملة ولا تتجزأ، وتتعامل مع كل التحديات الراهنة، بما فى ذلك التحديات المرتبطة بأمن منطقة الخليج العربى، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، لكن ما أنظر إليه الآن هو علاقاتنا الخارجية، فهى بحاجة لإعادة تقييم ومراجعة من جديد، سواء مع الأشقاء أو مع الأصدقاء، وهنا أستدعى مثالين متعلقين بالعلاقات المصرية السعودية، والمصرية الروسية.
العلاقات المصرية السعودية قديمة ومؤسسة على عدد من القيم والمبادئ التى يحترمها البلدان، لكن خلال الأسابيع الماضية شهدت فترة من الشد والجذب، وخلاف انتقل من الغرف المغلقة إلى العلن، ورأينا مؤخراً الزيارة التى قام بها أحمد الخطيب مستشار العاهل السعودى إلى سد النهضة، وما تمثله هذه الزيارة من رسالة ليست إيجابية لمصر التى تخوض مع إثيوبيا منذ عامين تقريباً مفاوضات ماراثونية حول هذا السد وقواعد بنائه وملئه، ومدى تأثيره على حصة مصر المائية، لتأتى زيارة الخطيب للسد لتضع علامة استفهام كبيرة حول الهدف والمغزى، وهل لا تزال السعودية تنظر لمصر على أنها ركن أساسى فى حفظ الأمن القومى العربى، أم أنها انضمت للتحالف القطرى التركى المعارض لمصر على طول الخط.
أما بشأن العلاقات المصرية الروسية، فقد شهدت انطلاقة كبرى بعد 30 يونيو، ورأينا كم الزيارات المتبادلة والصفقات الموقعة بين الجانبين، والتوافق فى الآراء تجاه القضايا الإقليمية والدولية، لكن فجأة انكسر كل ذلك على صخرة الطائرة الروسية التى سقطت فى صحراء سيناء قبل عام تقريباً، فبعدها بدأت روسيا تأخذ منحى آخر تجاه مصر، منحى من وجهة نظرى عقابى، لا تستحقه مصر مطلقاً من دولة صديقة بحجم روسيا، والغريب أن هذا الموقف يتناقض مطلقاً مع الرد الروسى على إسقاط تركيا للطائرة العسكرية الروسية قبل عدة أشهر، وكذلك مقتل السفير الروسى فى أنقرة قبل أيام من ضابط شرطة تركى.
لذلك فإننى على يقين بأن مصر عليها أن تعيد مرة أخرى حساباتها الخارجية، ومراجعة قائمة الأصدقاء والأعداء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة