بعد سنوات لا أحد يعرف عددها، اعتاد الجزارون فى سوق السمين بمحلة «أبوعلى» بالمحلة الكبرى بالغربية، تكسير وتقطيع لحمة الرأس والكوارع، وتقطيع الكرشة على حجر ضخم، كان من علامات السوق، الصدفة وحدها كشفت أن الحجر أثرى منذ آلاف السنين، يعود للعصر البطلمى.
لا أحد يعرف كيف وصل الحجر إلى سوق الكرشة والكوارع، وإن كان مدير الآثار بسمنود قال إن الحجر ألقى فى الشارع منذ عشرات السنين، وتم اكتشافه بالصدفة، وبعد سنوات استخدمه الجزارون استخدامًا سيئًا فى تكسير رؤوس الذبائح والكوارع وبيعها للمواطنين، ويحتمل أن يكون جزءًا من أحد أعمدة معبد سمنود القديم.
أما الصدفة فتختلف فيها الروايات، منها أن إحدى المتخصصات فى الآثار ذهبت للسوق، واكتشفت أن الحجر أثرى، وانتشر الأمر على مواقع التواصل، وحضرت «آثار سمنود» بالتنسيق مع شرطة السياحة والآثار، وتم نقل الحجر، وإخطار وزارة الآثار. ولولا الصدفة لبقى الحجر الأثرى بين الكوارع والكرشة، لكن حاله هو تكرار لأحوال كثير من الآثار فى الدلتا ومناطق كثيرة بمصر، تتناثر الآثار، وبعضها تعرض لإهمال أو سرقة، أو تاه وذهب إلى سوق الكوارع أو حتى المنازل.
عندما وصل الخبر إلى لجنة الثقافة فى مجلس النواب، أبدى النواب شعورًا بالمفاجأة، وتحدثوا عن إهمال الآثار، مع أنهم حتى يومين لم يكونوا يعلمون شيئًا عن الموضوع، وتحدثوا عن أهمية رصد الانتهاكات ضد الآثار. والواقع الذى تعيشه الآثار فى مصر معروف، خاصة خارج المناطق المشهورة، وحتى فى المتاحف العادية، مع العلم أن كل محافظة فى مصر يمكن أن تكون متحفًا يفوق متاحف أوروبا وأمريكا.. هل كثرة الآثار عندنا تفقدنا الشعور بقيمتها؟!
ويعرف سكان الدلتا انتشار قطع الآثار فى بعض مدن وقرى الدلتا، وكل بيت كان به «رحاية»، بعضها من أحجار أثرية، بل إن بعض البيوت، على الطراز القديم، كانت تحتوى أحجارًا فى أساساتها ترجع لعصور قديمة.. تدفن، ولا أحد يعرف قيمتها، وهو ما يبدو أنه جرى مع حجر الكوارع فى المحلة.
وأتذكر أن قرية «صالحجر»، إحدى قرى بلدتى، مركز بسيون، غربية، وتختلف عن «صان الحجر بالشرقية»، وكان اسمها الفرعونى «صاو» أو «سايس»، كانت عاصمة فى عهد الأسرتين 26 و27، ومن أشهر ملوكها بسماتيك الأول، وهو من طرد الآشوريين من مصر.. هناك الكثير من القصص عن أنفاق وسراديب أثرية، والكثير من المعالم التى أهملت أو اختفت، وربما تكون ذهبت إلى أسواق الكرشة والكوارع، وهى قصة من آلاف القصص عن تعاملنا مع الآثار.