لم يكن جمال عبدالناصر, يفكر أبدًا فى الحرب ضد إسرائيل.. ورغم ذلك فقد زجوا به إلى حرب لم يكن مستعدًا لها، فتوقفت كل خطط التنمية والبناء، واستنزفت الحرب كل موارد البلاد.. بعد أن استفزوه واتهموه بأنه لا يصلح قائدًا للقومية العربية، وأنه حليف إسرائيل ويركع تحت أقدامها، حدث ذلك سنة 1966 قبل حرب يونيو بعام واحد، عندما ضربت الطائرات الإسرائيلية دمشق، فخرج البعثيون فى الشوارع يهتفون بسقوط عبدالناصر، وخطوة بخطوة تورط الزعيم فى حرب نتيجتها هزيمة بشعة.. ثم خرج البعثيون بعدها فى الشوارع يهتفون بسقوط عبدالناصر، بزعم أن المهزوم لايصلح أن يكون قائدًا للقومية العربية.
ولأن المؤمن لايلدغ من جحر مرتين، فقد رفضت مصر طُعم التوريط وحافظت على استقلالها الوطنى وكرامتها وكبريائها.. ولكن هذا لايعجب بعض العرب، الذين يتصورون أن جيش مصر يمكن أن يكون طرفًا فى لعبة الدماء المتفجرة، وإذا لم يحدث غضبوا وتباعدوا وحركوا أصابع الشر من وراء الستار، استغلالًا لظروف اقتصادية صعبة نتجت عن ويلات ثورات الجحيم العربى.
حدثت لعبة مشابهة مع السادات، فبعد حرب أكتوبر المجيدة أداروا له ظهورهم، ولم يقدموا له شيئًا وحاولوا تجويع المصريين، وأرسلوا وزراء الخارجية العرب إلى القاهرة، ليساوموه على التراجع عن السلام مقابل الأموال، ولكن السادات لقنهم درسًا قاسيًا، وأمر بمغادرتهم مطار القاهرة دون أن يقابلهم أى مسؤول، لأن مصر لا تباع ولا تشترى.
والآن، رغم المعاناة والتآمر، فإن مصر لم ولن تكفر يومًا بعروبتها، وستظل تلعب دور الحارس الأمين على وحدة الصف العربى، توحد ولا تفرق، تصون ولا تهدد، تصادق ولا تعادى، تحترم الشعوب العربية وتمد لها يد المساندة والدعم، ولا تتخلف أبدًا عن أى نداء من أجل العروبة وقضاياها المصيرية.
بات واضحًا أن العلاقات التاريخية ووشائج الأخوة واللغة والثقافة، لم تعد كافية لمواجهة موجات الغل والحقد التى تهب على مصر وشعبها، لم يعد ينفع أن تحدثهم عن تضحيات هم جاحدون بها، لأن نكران الجميل أصبح لغة التفاهم الوحيدة بين العرب، ولا تنفع معه أخوة ولا تاريخ.
مصر تعى تمامًا بحكم عمق تجاربها، أن مصلحتها العليا تقتضى العمل من خلال مظلة عربية، لأنه لا يمكن أن تتحرك وحدها فى محيط عربى، تحاصره الحروب والصراعات من كل جانب.. مصر لم تطلب من الأشقاء سوى الأخوة والاحترام وعدم التدخل فى شؤونها، وليس الضغوط ولا المكائد والمؤامرات.. تعبنا من العرب.