فى هذا العالم لا توجد فرصة لحدوث شىء بشكل عشوائى، كل شىء يسير فى نظام، وإذا لم نحافظ على «نظام» يدفعنا إلى التقدم دائما، سيسير العالم فى «نظام» يجبره على الانحدار، ولهذا فالنجاح فى أى شىء ليس أمرا عاديا أو فطريا، لكنه منظومة متكاملة من التحدى الدائم، منظومة تحمينا من الاستسلام، منظومة تساعدنا على تجاوز العقبات، منظومة نغالب بها السكون والجمود ونتحدى من خلالها المهلكات، تسألنى ولماذا يفشل البعض فى مسعاهم؟ ولماذا ينجح أعداء النجاح وأقول لك: لأن المخربين يهدمون تلك المنظومة بكل جسارة، سواء كان هذا الهدم مخططا ومدبرا أو كان هذا نتيجة الإهمال فحسب، فلو لم نحافظ على «منظومة النجاح» بكل ما أوتينا من قوة ستعمل «منظومة الفشل» تلقائيا بكل ما لها من قوة.
يولد الطفل صغيرا ضعيفا عاجزا، فنحيطه بمنظومة كاملة من الرعاية، نطعمه فى وقت معلوم، نسقيه فى وقت معلوم، نلبى له احتياجاته الطبيعية، نداويه إن مرض ونهدهده إن غضب، نمسك بيده حتى يمشى، نلازمه حينما يجرى، نهذب اندفاعه الفطرى نحو العشوائية، ونعلمه الكلام والضحك والغناء والحروف والألوان، وهذا ما أسميه بـ«رعاية منظومة الحياة» وكذلك يجب أن نفعل مع الموهبة، لكنها تحتاج إلى رعاية مضاعفة، لماذا؟ لأن الموهبين «قلة» ولأنهم غالبا ما يثيرون الحسد من جانب «آخرين» ولأنهم- فى الغالب- متمردون لأنهم لا يقبلون بالأمر الواقع ويريدون تغييره، و«الواقع» له قوة كبيرة تسمى «الحضور» بينما لا يملك الموهوبون سوى قوة «الحلم» والحلم «غيب» ولا يعمل من أجل الغيب سوى «المؤمنين».
تسألنى: وهل تقصير الدولة فى رعاية الموهوبين وعدم وضعهم فى «منظومة» تكفل لهم النجاح أمر يقضى على الموهوبين تماما؟ وأقول لك: لا، فالموهبة مثل الشجرة تتحدى الجاذبية وتصعد نحو السماء، ومن الممكن أن ترى أشجارا تنمو فوق الجبال الصخرية، ومن الممكن أيضا أن ترى أشجارا فى قلب الصحراء، لكن للأسف عدم رعاية الموهوبين يقلل من فرصهم فى الوصول إلى ما يستحقونه ويضعفهم ويستهلك قواهم فى خوض الحروب التافهة والمعارك الجانبية القاتلة وبدلا من أن يستفيد المجتمع منهم فى فترة عنفوانهم ينتظر حتى يدب الذبول ثم نتباكى على الحلم المهدور، وفى الطريق تموت آلاف المواهب التى لم تقو على المقاومة وتغرق آلاف المواهب الأخرى فى العادى والعابر والمستهلك، فنصبح على ما نحن عليه من تهافت وهوان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة