وائل السمرى

موت الجميل

الأحد، 25 ديسمبر 2016 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ساعات قليلة، بل قل دقائق معدودات، فصلت بين قمة العنفوان والحركة، والسكون التام، كان يغرس فسيلته وهو لا يعلم أن ساعته أتت وأن أنفاسه بدأت فى العد التنازل، غادر القاهرة متجها إلى الأقصر لينعم بنور «طيبة» ودفء أجوائها وصفاء ناسها، لكنه لم يكن يعلم أن الفأل السيئ فى انتظاره على أبواب ملتقى الأقصر الدولى للتصوير الذى تنظمه نيفين الكيلانى، مدير صندوق التنمية الثقافية، وأنه سيكون أول فنان يموت فى فعالية ثقافية تاركا وراءه ريشته وألوانه وحلما بجمال محتمل فى لوحة غير منتهية إلى الأبد.
 
بحسب ما أكدته الفنانة سوزان شكرى فقد كان «الست» آخر ما سمعه، فما إن وصل الفنان الكبير إلى الأقصر حتى شعر بالتعب وبدت مظاهر الإعياء على وجهه، نصحه أصدقاؤه وتلاميذه بالراحة والرجوع إلى القاهرة، فقال لهم «هخف وارتاح وأسافر» وفى الصباح وجدوا روحه فى عالم آخر بينما كان الجسد فى الغرفة، رحيل مهيب، رحيل مؤلم، رحيل بليغ، رحيل يليق بواحد من أنصع الأصوات التشكيلية فى العالم العربى، رحيل يليق بمصرى حتى النخاع، رحيل يليق بحفيد صناع الحضارة، رحيل يليق بعاشق فى حضن معشوقته، عين على الكرنك، وعين على طريق الكباش، وعين على الطريق إلى وادى الملوك، على الجانب الآخر من النيل، الجانب الآخر من الحياة.
 
جميل شفيق، هذا الفنان الشفيف، النبيل، حامل الحلم، وزارع البسمة، وملخص الرمزية المصرية برشاقتها وعنفوانها، ذلك الفنان الذى استطاع أن يجبر من يرى لوحاته المرسومة بالأبيض والأسود وكأن بها أزهى ألوان الكون، مات وفِى يده ريشته وعلى وجهه ابتسامة..أتذكره وهو يحمل لوحاته فى إحدى غضباتنا من حكم الإخوان أمام دار ميرت للنشر قبل انطلاقنا رافعين صور رموز مصر المستنيرة إلى ميدان طلعت حرب.. أتذكره وقد وزع لوحاته التى تساوى مئات الآلاف من الجنيهات على المشاركين فى الوقفة تأكيدا لدور الفن فى محاربة الظلام.. كان يريد أن يقيم معرضا مفتوحا لأعماله التى تحمل مشاهد الحياة المصرية ورموز حضارتها.. وبعد انتهاء الوقفة والمعرض اختفت جميع اللوحات ولَم تختف ابتسامته.. مع السلامة يا عّم جميل شفيق.. فى يدك الريشة مازالت والفضاء لوحتك الآن، أعد لنا معرضا وانتظرنا حيث لا ظلم يقهرنا ولا ظلام يعمينا.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة