فى مشارف عام 2012 كتبتُ مقالًا عنوانه «ميرى كريسماس رغم أنفهم!»، وفى نهاية ذلك العام، كتبت مقالًا عنوانه «ميرى كريسماس كمان وكمان»، وفى نهاية عام 2013 كتبت مقالًا عنوانه «ميرى كريسماس يا مصر»، ومع نهاية عام 2015 كتبتُ مقالًا عنوانه: «ميرى كريسماس رغم غلاستهم»، تدور جميعُها على تنويعة أننا، نحن المسلمين، سنظل نقول لأشقائنا المسيحيين: «ميرى كريسماس» فى أعيادهم، مهما أفتانا مشايخ الظلام بألا نقولها، ومهما صدّعونا بحُرمة محبتهم ومشاركتهم لحظات الفرح، كما يشاركوننا فرحنا، والوقوف جوارهم جدارًا صلبًا فى لحظات الألم، التى غالبًا ما نكون نحن المتسببين فيها. سنتجاوز عن «غلاستهم» وعشقهم للنكد، وشيوع البغض بين الناس، ونتغاضى عن «فظاظتهم» التى تحاول أن تُغلِظ قلوبنا مثلما قلوبهم غليظة، وتجهد أن تجعلنا أفظاظًا مثلما هم أفظاظ. واليوم، ونحن على مشارف عام 2017، يُصدّع قلبى بوخز الشوك الحادّ أننا مازلنا ندور فى تلك الحلقة الجهنمية، وقد جرت فى النهر مياهٌ كثيرة! وكأن سنواتٍ كثيراتٍ لم تمُرّ؛ إلا لكى تحفظ المُرَّ فى حلوقنا! وكأن الزمانَ لا يركضُ، إلا ليمنحنا من جعبته الأسوأَ! وكأن الانتفاضات والبيانات والثورات والمقالات لا تتراكم إلا لنُعيد ما كتبنا، وتُفجعنا بما تمرّدنا ضده، وتُتحفنا بوجوه شوهاء من عصور ما قبل الإنسان. كأننا لم نقم فى 30 يونيو 2013 بثورة أطاحت بجنون الكارهين أنفسَهم، وتُسقط رؤوسهم الدنسة من فوق كتفى مصر الشريفتين! مرّت أيامٌ وشهورٌ وسنواتٌ ومازالت أفاعى الظلام تبخُّ فى آذاننا سمومَها لتوغر صدورنا، ضد أشقائنا المسالمين!
صعقنى أحد «مشايخ» الخيبة ناطقًا بالإنجليزية: (إياكَ أن تقول «ميرى كريسماس»، وإلا فاقَ إثمُك القتلَ). يا إلهى! هل رسمُ بسمةٍ على وجه، يساوى عندك إزهاق روح؟ هل توزيعُ الآثام سهلٌ إلى هذا الحد، يطلقها المرءُ كما يحلو لعقله التعس؟! أتعجّبُ من أدرانٍ تترسّب على قلوب البعض، وبدلًا من السعى الدؤوب على التطهّر منها، يباركها المرءُ فى نفسه، بل ويعلنها فرحًا طروبًا مثلما صرّح أحد مشايخنا «مصرىّ للأسف»، قائلًا إن لا حيلة له فى «البُغض» الذى يحمله للنصارى «يقصد المسيحيين»!. لماذا يا مولانا تكرههم؟ فيمَ آذوك؟ هل ناصبوكَ العداءَ أو طردوكَ من بيتك أو حرقوا لك مسجدًا أو قتلوا لك ابنًا أو أخًا؟ أليسوا أقباط مصر، يتحملون سخافاتنا وهدمنا كنائسهم وقتلنا مُصلّيهم؟، ثم يُصلّون حتى يغفر لنا اللهُ خطايا السفهاء منا، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. هلا حضرت بعض صلواتهم لتسمع بأُذنيك كيف يتعلمون فى عِظاتهم أن يحبوا كلَّ خلق الله، دون قيد أو شرط! حتى العدو، ولسنا، نحن المسلمين، بأعداء لهم، مهما حاولتم أن تصنعوا حاجزًا بيننا وبينهم. سيظل الحاجزُ فى قلوبكم أنتم وحدكم، يعذبكم ويُفقدكم متعة المحبة والسلام التى لو جربتموها لعرفتم كم تخسرون، فى كل لحظة، لم تَصْفُ فيها قلوبُكم إلى البراءة والجمال. عن نفسى أحبهم. مثلما يحبهم كل مسلم سوىّ الروح نقىُّ القلب. وأُعلنُ حبى لهم بكل فرح، لأن محبتى إياهم تطمئننى أن قلبى سوىٌّ خال من أدران الإقصاء والعنصرية والبغضاء التى تُحزن الله فى عليائه. تُطمئنُنى أننى لم أفقد طفولتى بعد. كلنُّا أطفالٌ نتطلّعُ إلى السماءِ لكى تحبَّنا السماءُ.
أولئك هم الإرهابيون الحقيقيون يا حكومة مصر، ويا حاكمَ مصر، من يجب أن توقفوهم عند حدّهم، مؤججو الفتن، جالبو الخراب لمصر.
اليوم الأحد 24 ديسمبر، عيد الميلاد المجيد عند أشقائنا كاثوليك مصر والعالم، فكل عام وهم بألف خير و«ميرى كريسماس» على عيونهم الطيبة، وبعد أسبوعين سيحلُّ عيدُ الميلاد المجيد على أشقائنا أرثوذوكس مصر الأقباط، وسأقول لهم: «ميرى كريسماس» على عيونكم الطيبة.
سنظلُّ نقولها، وسنظل نحتفل معهم بشجرة الكريسماس دائمة الاخضرار، لأن قلوبنا خضراءُ بالحبّ والسلام. وسيظلّون على محبتهم لنا يزيّنون معنا شوارعنا قبيل رمضان، ويمنحوننا كعك العيد فى عيدنا، ونمنحهم حبّنا فى كل لحظاتهم الطيبة، وكل لحظاتهم العسرة. وسنظلُّ نكافح حتى ينالوا حقوقهم فى المواطنة العادلة المحترمة التى تليق بمصر الطيبة، تلك المُهدرة منذ عقود طوال. سنظلُّ نقول لهم «سامحونا» على ما فعل السفهاءُ منّا بحقهم، وما هم منّا. وسنظلُّ نكافح ذلك السفه المقيت، وتلك البلطجة الإرهابية التى تُمارس فى حقّهم، حتى تختفى بالعلم والقانون ومحاربة الإرهاب الفكرى. سيظلُّ الحبُّ بين ربوع مصر مشرقًا مزهرًا، ولو كره الكارهون.. و«ميرى كريسماس» يا أشقائى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة