المتأمل للتحديات التى تواجهها الدولة المصرية ومواقف النخبة المثقفة منها ومدى فاعليتها فى التصدى لها، لابد أن يندهش من غيابها تارة وعدم فاعليتها تارة ثانية ومن نوبات يقظتها النادرة وأسبابها تارة ثالثة، فالواضح لكل ذى عينين أن الدولة المصرية تواجه مجموعة من التحديات الخطيرة منذ ثورة 30 يونيو وحتى الآن، يصل بعضها إلى مستوى الحرب المعلنة فى السياسة الخارجية والاقتصاد والعدوان المباشر من جهات خارجية تدفع المليارات لتمويل الجماعات الإرهابية فى سيناء وعلى الحدود الغربية والجنوبية.
وفى معظم هذه التحديات، كانت النخبة السياسية صامتة أو تلعب دور المتفرج، أو الطفل المصاب بالتوحد ولا يردد إلا ما يراه فى داخله، أو الناقد المنظر على البعد فى انتظار ماذا ستفعل الدولة ونظامها الذى فوضه الأغلبية الساحقة من الشعب مرارا لإنقاذ البلاد، فى ظل أوضاع مالية واقتصادية متردية وانتشار البطالة وغياب الاستثمارات.
على مستوى مواجهة الإرهاب والجماعات المتطرفة التى تسعى لإسقاط الدولة وترويع المصريين مثلا، كان قرار الدولة المصرية هو المواجهة الحاسمة وعدم التهاون وضرب خطوط إمداد هذه الفصائل والجماعات بالسلاح والأموال وفضح وسائل إعلامها الكاذبة والمغرضة والممولة من الخارج، ورغم طبيعة المعركة التى هى معركة وجود نجد بين النخبة السياسية من يتباكى على حقوق الإنسان للإرهابيين، أو يركز على ملف الحريات، بينما القصف المعلوماتى وتيار الشائعات والأكاذيب وحرب التحريض ومحاولات تأليب المصريين على أشدها.
خذ مثلا، الأوضاع الاقتصادية وكيف تتحرك الدولة على أكثر مسار، منها توفير الاحتياجات الأساسية للأغلبية الفقيرة ومحدودة الدخل وإجراء عملية الإصلاح الاقتصادى الصعبة والضرورية، وإطلاق مشروعات عملاقة يمكن أن توفر ملايين من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتفتح مجالات أمام الاستثمارات الخارجية، ومواجهة عمليات الاحتكار والمضاربة على السلع الاستراتيجية، فى كل ذلك لم نسمع من النخبة السياسية أفكارا تفيد فى تجاوز المرحلة الصعبة بقدر ما سمعنا وقرأنا بيانات حنجورية بصبغة المعارضة المطلقة وكأنها نوع من إبراء الذمة حال فشل الدولة وسقوطها لا قدر الله.
الأمر نفسه ينسحب على ملف السياسة الخارجية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالحصار الاقتصادى والمشروع الصهيوأمريكى لتركيع البلد وإسقاطه، وبينما تتحرك الإدارة المصرية بذكاء سياسى كبير بين مختلف المعسكرات الدولية لبناء جسور من التعاون والمصالح من واشنطن إلى موسكو وبكين وبودابست وبرلين وباريس، ثم الانفتاح على العمق الأفريقى ومواجهة التخبط السياسى فى الخليج وفتح قنوات حوار مع طهران، لم نسمع على هذه المسارات من النخب السياسية إلا رقاعة استعداء الرئيس الفرنسى أو تبنى خطاب الخارجية الأمريكية أو التعبير عن المواقف الخليجية من سوريا واليمن أو الصمت الفاشل.. وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة