تذكرون طبعا الدور المتميز للفنان محيى إسماعيل فى فيلم «خللى بالك من زوزو»، للراحلين صلاح جاهين وحسن الإمام، فشخصية عمران المتعصب والمتشنج الذى لا يرى العالم إلا وفق منظوره الضيق عن التعليم والفن والأخلاق، وكلما تم وضعه فى زاوية اتخاذ القرار أو التعبير عن رأيه ردد الجملة التى يحفظها دون فهم «أرفض.. جمعاء جمعاء جمعاء».
هذه الشخصية المتشنجة التى لا تعمل العقل ولا تبنى مواقفها بالدراسة أو الفهم أو بمقتضى الصالح العام، تشبه إلى حد كبير النخبة المصرية فى الوقت الراهن، أو بمعنى أدق تشبهها النخبة المصرية التى اكتفت بمسار المعارضة المتشنجة والصوت العالى فى بعض المناسبات، لإعلان الوجود، بينما تتجاهل جميع الملفات والقضايا المهمة التى تخص الدولة المصرية والشعب فى اللحظة الراهنة.
النخبة المصرية لضعفها وتهافتها وعدم حضورها فى الشارع، تلجأ دائما إلى المعارضة المتشنجة لكل القرارات أو التوجهات الرسمية دون إبداء البديل الذى يمكن اعتماده على أرض الواقع، كما أنها لا تفرق بين النظام الحاكم وبين الشعب المصرى وقضاياه الملحة والحيوية، وهو ما يؤدى إلى تقوقعها فى خندق المعارضة المتشنجة التى ترى وجودها فى التمسك بالمعارضة بما فى ذلك القضايا التى تحتاج إلى الإجماع الوطنى التلقائى كما فى حالة العدوان الخارجى والحروب والحصار الاقتصادى.
سبب آخر لاضمحلال النخبة المصرية وتراجعها، يتمثل فى غياب الانحياز السياسى الحقيقى لغياب الاجتهاد وتهافت التعليم فى الجامعات واختراق الأحزاب السياسية وتحولها إلى سبوبات ودكاكين مصالح وغلبة المصلحجية والأنصاف على جميع المواقع فيها، فلم يعد لدينا يسار واضح المعالم له أقطابه وكوادره المتصلة بآخر اجتهادات اليسار فى أوروبا وأمريكا اللاتينية، ولم يعد لدينا يمين بالمعنى العميق للكلمة يدرس التاتشرية والريجانية وما بعدهما، كما يبرز موقفه من غلبة التيارات العنصرية على أجنحة اليمين فى العالم، كما أننا نفتقد إلى تلك التيارات التجديدة، مثل حركة الطريق الثالث التى ازدهرت فى بريطانيا وأوربا الغربية، على سبيل المثال.
إجمالا، النخبة المصرية تحتمى بوجاهة المعارضة المتشنجة كساتر يحميها من غياب الاجتهاد وغياب الوجود على الأرض، لكنه ساتر من دخان فى حقيقة الأمر، ويا لها من مأساة لدولة تحاول أن تنهض من أزماتها!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة