أواصل ما بدأته أمس بالكتابة عن الدكتور مصطفى الحفناوى، الرجل الذى يقترن اسمه بقصة قناة السويس وانتقالها من السيطرة الإنجليزية إلى مصر على أثر قرار جمال عبد الناصر بتأميمها يوم 26 يوليو 1956، مما أدى إلى العدوان الثلاثى على مصر فى محاولة لإجبارها على التراجع عن قرارها لكنها فشلت، وحققت نصرها التاريخى يوم 23 ديسمبر 1956.
يذكر «الحفناوى» فى مقدمة الجزء الثالث من مؤلفه الضخم «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة»، أنه كان على الباخرة التى تقله إلى لندن عام 1946، وفى الصباح صادفه رجل إنجليزى استعمارى يتصدر المائدة، ويقص على المسافرين أمورا عن قناة السويس بلغة جارحة لمصر وللمصريين.
كان «الحفناوى» المصرى الوحيد بين ركاب الباخرة، فتدخل قائلا: «إن امتياز الشركة سينتهى فى سنة 1968، وتسترد مصر منشآتها»، فثار هذا الرجل الاستعمارى وحسب قول الحفناوى: «كاد يضربنى وشاركه فى هياجه الأجانب الذين ينصتون لحديثه، وانسحبت من المائدة معتصما بالكابين باكيا من فرط الإهانة التى لحقت بى».
وصل «الحفناوى» إلى لندن وكله غيظ وغضب، فطلب من أحد مرافقيه أن يصحبه إلى «أكسفورد» لمشترٍ كتب كى يشترى كتابا عن قناة السويس، فاصطحبه إلى دار المحفوظات التاريخية، وكان موظفا فيها، وهى غاصة بمحفوظات قديمة عن قناة السويس ويتردد عليها الباحثون، وما إن تصفح «الحفناوى» أول ملف إلا وقرر فورا الالتحاق بجامعة أوروبية لدراسة القانون الدولى دراسة متخصصة، وإعداد رسالة علمية عن قناة السويس، يدافع فيها عن حق مصر.
بدأت رحلة «الحفناوى» نحو الهدف الذى سخر نفسه من أجله، فذهب إلى باريس ليلتحق بالجامعة، وقدم إليه الدكتور محمد صلاح الدين وزير الخارجية خدمة جليلة بتعيينه مستشارا صحفيا للسفارة المصرية فى باريس، وأوقفته هذه الخطوة على أرض صلبة، لأنها وفرت له الاتصال بشركة قناة السويس فى باريس تحت ستار دبلوماسى كى ينقب فى ملفاتها، وحسب قول الحفناوى: «فتح لى رئيس الشركة» شارل رو «ملفاتها متوهما أنى أعد كتابا عن القناة لمصلحة شركته الاستعمارية، وكشف لى عن أوراقه، وأوقفنى على فكرة التدويل، وطلب قيام لجنة دولية تابعة للأمم المتحدة على غرار» لجنة الدانوب «تحل محل الشركة قبل انتهاء أجل الامتياز عام 1968». كانت فكرة التدويل أخطر ما فى الموضوع، لأنها تكشف عن أن النية تتجه إلى عدة عودة القناة لمصر عام 1968.. وغدا نستكمل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة