ما إن نشر موقع «اليوم السابع» خبر القبض على مدير المشتريات بمجلس الدولة، وبحوزته 24 مليون جنيه مصرى و4 ملايين دولار و2 مليون يورو ومليون ريال سعودى، بخلاف المشغولات الذهبية والسيارات الفارهة التى جمعها عن طريق الرشوة حتى أصبح حديث الساعة، وفى الحقيقة فإنه لا يمكن لأى متابع يرى ويسمع ويشاهد ما يحدث الآن فى مصر سوى وصف مجهودات جهاز الرقابة الإدارية بـ«البطولات» فهذا الجهاز الآن يشبه المارد الذى خرج من قمقم الصمت إلى فضاء الحقيقة، وبعد أن كان فى السنوات الماضية مختفيا عن الأنظار محجوبا عن صدارة الأخبار صار من أهم الأجهزة الرقابية وأنشطها، ويوما بعد يوم أصبح مثل الشبح الذى يخشى منه كل فاسد ليعمق بهذا التوجه الحميد من أهمية «الردع» ليكون بمثابة «اليوم» الذى يخشاه كل ظالم.
أثبتت الرقابة الإدارية أيضا أن مصر لا تحتاج إلى «أفكار من خارج الصندوق» لأن «صندوق الدولة» عامر بالمؤسسات الراسخة وما تحتاجه فحسب هو تفعيل دورها، وإعمال ضميرها، حتى تصبح مثل «الرقابة الإدارية» التى تفاجئنا يوما بعد يوم بالكشف عن فضائح الفاسدين، فبالأمس القريب ألقت الهيئة القبض على رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للتنمية الزراعية لتقاضيه رشوة بشكل دورى، وكانت الهيئة قاسما مشتركا أعظم فى كشف قضية «فساد القمح» وفساد بعض المجمعات الاستهلاكية، كما هاجمت أوكار السيارات المهربة من الجمارك، خلافا للحملة التى شنتها على مراكز ووحدات الغسيل الكلوى ومراكز الاتجار بالأعضاء البشرية وغيرها كثير من القضايا المتشعبة فى كل ربوع مصر.
كنا نقول دائما، إن مصر مليئة بالخيرات، لكن الفساد يأكل هذه الخيرات ويحرم الجادين من الوصول إلى المراتب التى يستحقونها، وكان المغرضون يدعون أن الفساد فى مصر موجود مثل الفساد الموجود فى كل الدول، محاولين بهذا الادعاء تبسيط فداحة الفساد، وتثبيط عزم محاربيه، ودون جلبة أو ضجيج أثبت جهاز الرقابة الإدارية أن الفساد فى مصر أكبر من المتخيل، كما أثبت أن القوانين لا تمنع محاربة الفساد كما يدعى البعض، وأن مصر دولة مؤسسات حقيقية بها من الهيئات والقطاعات والأجهزة ما يحميها من كل شر، لكن للأسف هذه المؤسسات كانت غائبة عن صدارة المشهد بفعل فاعل ماكر وخبيث، فتحية للواء محمد عرفان، رئيس الهيئة، وتحية لكل ضابط بالهيئة من الـ400 ضابط الذين يعملون بكل جهد لتنظيف مصر من الموبقات.